الحكم عمّا عداه ، وهذا هو الذي يقول الأصوليّون : إنه مفهوم اللّقب ، ولم يقل به إلّا أبو بكر الدّقّاق في طائفة قليلة.
فصل
معنى الآية أنّ علمه غير مقصور عليكم ، ولا على أحوالكم ، بل علمه متعلّق بجميع الموجودات والمعدومات ، وبجميع ذرّات الأرضين ، والسّموات ، فيعلم حال كلّ أحد ، ويعلم ما يليق به من المصالح والمفاسد ، ولهذا جعلهم مختلفين في صورهم ، وأحوالهم ، وأخلاقهم ، وفضّل بعض النبيين على بعض ، وآتى موسى التوراة ، وداود الزّبور ، وعيسى الإنجيل ، ولم يبعد أيضا أن يؤتي محمّدا صلىاللهعليهوسلم القرآن مع تفضيله على الخلق.
فإن قيل : ما السّبب في تخصيص داود بالذكر ها هنا؟.
فالجواب من وجوه :
الأول : أنّه تعالى ذكر أنّه فضّل بعض النّبيّين على بعض ، ثم قال : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) يعنى أنّ داود آتاه ملكا عظيما ، ثم إنّه تعالى لم يذكر ما آتاه من الملك ، وذكر ما آتاه من الكتب ؛ تنبيها على أنّ التفضيل الذي ذكره قبل ذلك المراد منه التفضيل بالعلم والدّين ، لا بالمال.
والثاني : أنّ تخصيصه بالذّكر أنّه تعالى كتب في الزّبور أن محمّدا خاتم الأنبياء ، وأنّ أمّة محمّد خير الأمم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.
قال تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء : ١٠٥] وهم محمد وأمته.
فإن قيل : هلا عرفه كقوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ).
فالجواب أن التنكير هاهنا يدل على تعظيم حاله ؛ لأن الزبور عبارة عن المزبور ، فكان معناه الكتاب ، وكان معنى التنكير أنه كامل في كونه كتابا.
ويجوز أن يكون «زبور» علما ، فإذا دخلت عليه «أل» كقوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ) كانت للمح الأصل كعبّاس والعباس ، وفضل والفضل.
وقيل : نكّره هنا دلالة على التبعيض ، أي : زبورا من الزّبر ، أو زبورا فيه ذكر رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فأطلق على القطعة منه زبور ، كما يطلق على بعض القرآن ، قرآن.
الثالث : أنّ السّبب في تخصيص داود ـ صلوات الله عليه ـ أنّ كفار قريش ما كانوا أهل نظر وجدل ، بل كانوا يرجعون إلى اليهود في استخراج الشّبهات ، واليهود كانوا يقولون : لا نبيّ بعد موسى ، ولا كتاب بعد التّوراة ، فنقض الله عليهم كلامهم بإنزال الزّبور على داود ، وتقدّم خلاف القراء في الزبور في آخر سورة النساء.
قوله تعالى : (الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) : مفعولا الزّعم محذوفان ؛ لفهم المعنى ، أي :