قوله : (مِنْ شَيْءٍ) هذا بيان ل «ما» في قوله : (ما خَلَقَ اللهُ) فإنها موصولة بمعنى الذي.
فإن قيل : كيف يبين الموصول وهو مبهم ب «شيء» وهو مبهم ؛ بل أبهم ممّا قبله؟.
فالجواب : أن شيئا قد اتضح ، وظهر بوصفه بالجملة بعده ؛ وهي : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ).
قال الزمخشري : و«ما» موصولة ب (خَلَقَ اللهُ) وهو مبهم ؛ بيانه في قوله (مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ).
وقال ابن عطية (١) : (مِنْ شَيْءٍ) لفظ عامّ في كل ما اقتضته الصفة من قوله : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ).
فظاهر هاتين العبارتين : أن جملة (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) صفة ل «شيء» فأما غيرهما ؛ فإنه قد صرح بعدم كون الجملة صفة ؛ فإنه قال : والمعنى : من شيء له ظلّ من جبل ، وشجر ، وبناء ، وجسم قائم ، وقوله (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) إخبار من قوله (مِنْ شَيْءٍ) ليس بوصف له ، وهذا الإخبار يدلّ على ذلك الوصف المحذوف الذي تقديره : هو له ظل. وفيه تكلف لا حاجة إليه ، والصفة أبين و (مِنْ شَيْءٍ) في محل نصب على الحال من الموصول ، أو متعلق بمحذوف على جهة البيان ؛ أعني : من شيء.
والتّفيّؤ : تفعّل من فاء يفيء ، أي : رجع ، و«فاء» : قاصر فإذا أريد تعديته عدّي بالهمزة كقوله (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) [الحشر : ٧] أو بالتضعيف نحو : فيّأ الله الظّل فتفيّأ ، وتفيّأ : مطاوع فيأ ، فهو لازم ، ووقع في شعر أبي تمّام متعدّيا في قوله : [الكامل]
٣٣١٢ ـ ........... |
|
وتفيّأت ظلّالها ممدودا (٢) |
واختلف في الفيء ، فقيل : هو مطلق الظل ، سواء كان قبل الزوال ، أو بعده ، وهو الموافق لمعنى الآية ههنا.
وقيل : ما كان قبل الزوال فهو ظلّ فقط ، وما كان بعده فهو ظل وفيء ، فالظل أعم. يروى ذلك عن رؤبة بن العجّاج ، وأنكر بعضهم ذلك ، وأنشد أبو [زيد](٣) للنّابغة الجعدي : [الخفيف]
٣٣١٣ ـ فسلام الإله يغدو عليهم |
|
وفيوء الفردوس ذات الظّلال (٤) |
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣٩٧.
(٢) عجز بيت وصدره : «طلبت ربيع ربيعة الممهى لها» ويروى الشطر الثاني : «فوردن ظل ربيعة الممدودا». ينظر : ديوانه ص ٨٠ ، الدر اللقيط ٥ / ٤٩٦ ، البحر المحيط ٥ / ٤٨٠ ، روح المعاني ١٤ / ١٥٣ ، الدر المصون ٤ / ٣٣٠.
(٣) في ب : ذؤيب.
(٤) ينظر : ديوانه ٢٣١ ، وروح المعاني ٧ / ١٥٤ ، اللسان (ظلل) والرازي ٢٠ / ٣٤.