الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢) تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(٦٤)
قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً) الآية لما بيّن فساد قول أهل الشرك بالدلائل القاهرة ، شرح في هذه الآية تفاصيل أقوالهم.
قوله : (لِما لا يَعْلَمُونَ) الضمير في قوله : «يعلمون» يجوز أن يعود للكفار ، أي : لما يعلم ، ومعنى (لا يَعْلَمُونَ) أنهم يسمّونها آلهة ، ويعتقدون أنّها تضرّ ، وتنفع ، وتشفع ؛ وليس الأمر كذلك.
ويجوز أن تكون للآلهة ، وهي الأصنام ، أي : الأشياء غير موصوفة بالعلم.
قال بعضهم : والأوّل أولى ؛ لأنّ نفي العلم عن الحي حقيقة ، وعن الجماد مجاز ، وأيضا : الضمير في (وَيَجْعَلُونَ) عائد إلى المشركين ، فكذلك في قوله (لِما لا يَعْلَمُونَ) ، وأيضا فقوله : (لِما لا يَعْلَمُونَ) جمع بالواو والنون ؛ وهو بالعقلاء أليق منه بالأصنام.
وقيل : الثاني أولى ؛ لأنّا إذا أعدناه إلى المشركين ؛ افتقرنا إلى إضمار ؛ فإن التقدير : ويجعلون لما لا يعلمون إلها ، أو لما لا يعلمون كونه نافعا ضارّا ، وإذا أعدناه إلى الأصنام ، لم نفتقر إلى الإضمار ؛ لأن التقدير : ويجعلون لما لا علم لها.
وأيضا : لو كان هذا العلم مضافا إلى المشركين ، لفسد المعنى ؛ لأنه من المحال أن يجعلوا نصيبا مما رزقهم ، لما لا يعلمونه.
فإذا قلنا بالقول الأول ، احتجنا إلى الإضمار ، وذلك يحتمل وجوها :
أحدها : ويجعلون لما لا يعلمون له حقّا ، ولا يعلمون في طاعته [نفعا] ، ولا في الإعراض عنه ضرّا.
قال مجاهد : يعلمون أنّ الله خلقهم ويضرّهم وينفعهم ، ثم يجعلون لما لا يعلمون أنّه ينفعهم ، ويضرّهم نصيبا (١).
وثانيها : ويجعلون لما لا يعلمون إلهيّتها.
وثالثها : ويجعلون لما لا يعلمون السبب في صيرورتها آلهة معبودة.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٩٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٢٦) وعزاه إلى الطبري.