قائِلُونَ) بعد قوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) [الأعراف : ٣ ـ ٤].
قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ) الآية لما ذكر المثل ذكر الممثل فقال : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ) يعني : أهل مكة ، (رَسُولٌ مِنْهُمْ) ، أي : من أنفسهم يعني : محمّداصلىاللهعليهوسلم (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ : يعني الجوع.
وقيل : القتل يوم بدر ، والأول أولى ؛ لقوله ـ تعالى ـ بعده : (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) ، أي : إنّ ذلك الجوع بسبب كفرهم ، فاتركوا الكفر حتى تأكلوا.
وقوله : (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) ، أي من [الغنائم](١) ؛ قاله ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ.
وقال الكلبي : «إن رؤساء مكّة كلّموا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين جهدوا ، وقالوا : عاديت الرّجال ، فما بال النّساء والصّبيان؟ وكانت الميرة قد قطعت عنهم بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأذن بحمل الطعام إليهم» (٢).
قوله تعالى : (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) صرّح هنا بالنّعمة ؛ لتقدم ذكرها مع من كفر بها ، ولم يجىء ذلك في البقرة ، بل قال : (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) [البقرة : ١٧٢] لما تقدّم ذلك ، وتقدّم نظير ما هنا.
قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(١١٧)
قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ) الآية وقد تقدّم الكلام عليها في سورة البقرة ، وحصر المحرّمات في هذه الأشياء الأربعة مذكور عليها في سورة الأنعام ؛ عند قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) [الأنعام : ١٤٥] ، وفي سورة المائدة في قوله: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) [المائدة : ١] ، وأجمعوا على أن المراد بقوله : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) هو قوله ـ تعالى ـ في سورة البقرة : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) [البقرة : ١٧٣] وقوله ـ تعالى ـ : (وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) [المائدة : ٣] فهذه الأشياء داخلة في الميتة. ثم قال ـ تعالى ـ : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) وهذا أحد الأقسام الداخلة تحت قوله (وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) ، فثبت أن هذه السّور الأربعة دالّة على حصر المحرّمات ، فيها سورتان مكّيتان ، وسورتان مدنيّتان ، فإن البقرة مدنيّة ، وسورة المائدة
__________________
(١) في أ: الغنيمة.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ١٠٤).