ولو ادّعى مدّع أنّ هاهنا خمسة التفاتات لاحتيج في دفعه إلى دليل واضح ، والخامس : الالتفات من (إِنَّهُ هُوَ) إلى التكلّم في قوله (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) الآية.
والرؤية هنا بصرية. وقيل : قلبية ، وإليه نحا ابن عطيّة ، فإنه قال : «ويحتمل أن يريد : لنري محمدا للنّاس آية ، أي : يكون النبي صلىاللهعليهوسلم آية في أن يصنع الله ببشر هذا الصنيع» فتكون الرؤية قلبية على هذا.
فصل في معنى «لنريه»
معنى الرّؤية هو ما رأى في تلك الليلة من العجائب والآيات الدالّة على قدرة الله تعالى.
فإن قيل : قوله : (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) يدلّ على أنّه تعالى ما أراه إلّا بعض الآيات ؛ لأن كلمة «من» للتبعيض وقال في حقّ إبراهيم : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام : ٧٥] فيلزم أن يكون معراج إبراهيم ـ عليهالسلام ـ أفضل من معراج محمدصلىاللهعليهوسلم قلنا (١) : فالجواب أن الذي رآه إبراهيم ملكوت السموات والأرض ، والذي رآه محمد بعض آيات الله ، ولا شكّ أن آيات الله أفضل.
ثم قال : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أي : السميع لأقوال محمد صلىاللهعليهوسلم أي : المجيب لدعائه البصير : أي : لأفعاله العالم بكونها خالصة عن شوائب الرياء ، مقرونة بالصّدق والصّفاء.
فصل في كيفية الإسراء
اختلفوا في كيفيّة ذلك الإسراء ، فالأكثرون على أنه أسري بجسد رسول اللهصلىاللهعليهوسلم.
وروي عن عائشة وحذيفة : أن ذلك كان رؤيا ، قالا : ما فقد جسد رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ولكنّ الله أسرى بروحه (٢). فالكلام في هذا الباب في مقامين (٣) :
الأول : في إثبات الجواز العقليّ.
والثاني : في الوقوع.
فالمقام الأول ؛ وهو الجواز العقليّ : فنقول : الحركة الواقعة في السّرعة إلى هذا الحدّ ممكنة في نفسها ، والله ـ تعالى ـ قادر على جميع الممكنات ، والدليل على أنّ هذه الحركة السّريعة ممكنة غير ممتنعة تفتقر إلى مقدّمتين :
الأولى : أنّ الحركة الواقعة إلى هذا الحدّ يدلّ عليها وجوه :
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ١١٧.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٦) وذكره ابن إسحق في «السيرة» (٢ / ٣٠٤).
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ١١٨.