عنه ـ أنه قال : يقعد الله محمدا على العرش ، وعن مجاهد أنّه قال : يجلسه معه على العرش (١).
قال الواحدي : وهذا قول رذل موحش فظيع ، ونص الكتاب يفسد هذا التفسير من وجوه:
الأول : أن البعث ضدّ الإجلاس ، يقال : بعثت النّاقة ، وبعث الله الميت ، أي : أقامه من قبره ، فتفسير البعث بالإجلاس تفسير الضدّ بالضدّ ؛ وهو فاسد.
والثاني : أنه تعالى ، لو كان جالسا على العرش ، بحيث يجلس عنده محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لكان محدودا متناهيا ، ومن كان كذلك ، فهو محدث.
الثالث : أنه تعالى قال : (مَقاماً مَحْمُوداً) ولم يقل : مقعدا ، والمقام : موضع القيام ، لا موضع القعود.
الرابع : أن جلوسه مع الله على العرش ليس فيه كثيرا إعزاز ؛ لأن هؤلاء الحمقاء يقولون : إنّ أهل الجنة كلهم يجلسون معه ويرونه ، وإنه تعالى يسألهم عن أحوالهم التي كانوا عليها في الدنيا ، وإذا كانت هذه الحالة حاصلة عندهم لكلّ المؤمنين ، لم يكن في تخصيص محمد صلىاللهعليهوسلم بذلك مزيد شرف ومرتبة.
الخامس : أنه إذا قيل : السلطان بعث فلانا ، فهم منه أنّه أرسله لإصلاح مهماتهم ، ولا يفهم أنه أجلسه مع نفسه ؛ فثبت أن هذا القول كلام رذل ، لا يميل إليه إلّا قليل العقل ، عديم الدّين.
قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً)(٨٤)
قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) الآية.
يحتمل أن يكون «مدخل» مصدرا ، وأن يكون ظرف مكان ، وهو الظاهر ، والعامة على ضمّ الميم فيهما ؛ لسبقهما بفعل رباعيّ ، وقرأ (٢) قتادة ، وأبو حيوة ، وإبراهيم بن أبي عبلة ، وحميد بفتح الميم فيهما : إمّا لأنهما [مصدران على حذف الزوائد ؛ ك (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] ؛ وإمّا لأنهما] منصوبان بمقدر موافق لهما ، تقديره : فادخل
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٣٢) عن مجاهد.
(٢) ينظر : الإتحاف ٢ / ٢٠٣ ، والبحر المحيط ٦ / ٧٢.