الإنسان لمّا حاول الرّجوع ، أخرجهم الدليل إلى البقاع المحاذية لسمرقند.
فصل في مقتضى هذا الخبر
قال أبو الرّيحان (١) البيرونيّ : مقتضى هذا الخبر أنّ موضعه في الربع الشماليّ الغربيّ من المعمورة.
قوله : (يَفْقَهُونَ) : قرأ الأخوان (٢) بضمّ الياء ، وكسر القاف ، من أفقه غيره ، فالمفعول محذوف ، أي : لا يفقهون غيرهم قولا ، والباقون بفتحهما ، أي : لا يفهمون كلام غيرهم ، وهو بمعنى الأول ، وقيل : ليس بمتلازم ؛ إذ قد يفقه الإنسان كلام غيره ، ولا يفقه قوله غيره ، وبالعكس.
فصل في كيفية فهم ذي القرنين كلام أولئك القوم
لمّا بلغ ذو القرنين ما بين السّدين (وَجَدَ مِنْ دُونِهِما) [أي] من ورائهما مجاوزا عنهما «قوما» ، أي : أمّة من الناس (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً).
فإن قيل : كيف فهم ذو القرنين منهم هذا الكلام ، بعد أن وصفهم الله تعالى بقوله : (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً)؟.
فالجواب من وجوه :
أحدها : قيل : كلّم عنهم مترجم (٣) ؛ ويدل عليه قراءة ابن مسعود (٤) : لا يكادون يفقهون قولا ، قال الذين من دونهم : يا ذا القرنين (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ).
وثانيها (٥) : أن قوله : (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) يدلّ على أنّهم قد يفقهون بمشقّة وصعوبة [من إشارة ونحوها](٦).
وثالثها : أنّ «كاد» معناه المقاربة ؛ وعلى هذا ، فلا بدّ من إضمار ، تقديره : لا يكادون يفقهون إلّا بمشقة ؛ من إشارة ونحوها.
قوله : (يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) : قرأ عاصم (٧) بالهمزة الساكنة ، والباقون بألف صريحة ، واختلف في ذلك ؛ فقيل : هما أعجميّان ، لا اشتقاق لهما ، ومنعا من الصرف ؛ للعلميّة
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٤٤.
(٢) ينظر : السبعة ٣٩٩ ، والتيسير ١٤٥ ، والحجة ٤٣١ ، والنشر ٢ / ٣١٥ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ١٧٢ ، والإتحاف ٢ / ٢٢٥ ، وإعراب القراءات ١ / ٤١٧ ، والبحر ٦ / ١٥٤.
(٣) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٨٠.
(٤) ينظر : تفسير البغوي ٣ / ١٨٠.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٤٥.
(٦) سقط من أ.
(٧) ينظر : السبعة ٣٩٩ ، والنشر ١ / ٣٩٠ ، ٣٩٤ ، والتيسير ١٤٥ ، والحجة ٤٣٣ ، وإعراب القراءات ١ / ٤١٨ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ١٧٢ ، والإتحاف ٢ / ٢٢٥.