ـ تعالى ـ : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) [الحاقة : ٤٤ ـ ٤٦].
وقوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥].
وقوله : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) [الأحزاب : ١].
فصل في ألا عصمة من المعاصي إلا بتوفيق الله تعالى
احتجّ أهل السنة على أنه لا عصمة من المعاصي إلّا بتوفيق الله تعالى ؛ بقوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) الآية ، فبيّن أنّه لولا تثبيت الله تعالى له ، لمال إلى طريقة الكفّار ، ولا شكّ أنّ محمّدا ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كان أقوى من غيره في قوة الدّين ، وصفاء القلب واليقين ، فلما بيّن الله تعالى له أنّ بقاءه معصوما عن الكفر والضلال ، لم يحصل إلّا بإعانة الله تعالى وتوفيقه ، كان حصول هذا المعنى في حقّ غيره أولى.
قالت المعتزلة : المراد بهذا التّثبيت : الألطاف الصّارفة عن ذلك ، وهي ما أخطر الله بباله من ذكر وعده ووعيده ، ومن ذكر أنّ كونه نبيّا من عند الله يمنع من ذلك.
والجواب : لا شكّ أنّ التثبيت عبارة عن فعل فعله الله تعالى ، يمنع الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من ذلك الوقوع في ذلك المحذور ، فنقول : لم يوجد المقتضي للإقدام على ذلك العمل المحذور في حقّ الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لما كان لإيجاد هذا المنع حاجة ، وحيث وقعت الحاجة إلى تحصيل هذا المانع علمنا أنّ ذلك المقتضي قد حصل في حقّ الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وأنّ هذا المانع الذي فعله الله تعالى لمنع ذلك المقتضي من العمل ، وهذا لا يتمّ إلّا إذا قلنا : إنّ القدرة مع الدّاعي توجب الفعل ، فإذا حصلت داعية أخرى معارضة للداعي الأوّل ، اختلّ المؤثّر ، فامتنع الفعل ، ونحن لا نريد إلّا إثبات هذا المعنى.
قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً)(٧٦)
قال مجاهد ، وقتادة : الأرض : أرض مكة (١) ، والآية مكيّة. همّ المشركون في أن يخرجوه منها ، فكفّهم الله عنه ؛ حتّى أمره بالهجرة ، فخرج بنفسه ، وهذا أليق بالآية ؛ لأنّ ما قبلها خبر عن أهل مكّة ، وهذا اختيار الزجاج.
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : لمّا هاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة حسدته اليهود ، وكرهوا قربه منهم ، ومقامه بالمدينة ، فأتوه ، وقالوا : يا أبا القاسم ، لقد علمت ما هذه بدار الأنبياء ، وأنّ أرض الأنبياء بالشّام ، وهي الأرض المقدسة ، وبها كان إبراهيم
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٢١) عن مجاهد وقتادة.