وقال أبو حيان : «وإلا أن يشاء الله ، استثناء لا يمكن حمله على ظاهره ؛ لأنه يكون داخلا تحت القول ، فيكون من المقول ، ولا ينهاه الله أن يقول : إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ؛ لأنه قول صحيح في نفسه ، لا يمكن أن ينهى عنه ، فاحتيج في تأويل هذا الظاهر إلى تقدير ، فقال ابن عطيّة : في الكلام حذف يقتضيه الظاهر ، ويحسّنه الإيجاز ، تقديره : إلّا أن يقول : إلا أن يشاء الله ، أو إلّا أن تقول : إن شاء الله ، والمعنى : إلّا أن تذكر مشيئة الله ، فليس (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) من القول الذي نهي عنه».
فصل
قال كثير من الفقهاء (١) : إذا قال الرّجل لزوجته : «أنت طالق ، إن شاء الله» لم يقع الطّلاق ؛ لأنه لما علّق وقوع الطّلاق على مشيئة الله ، لم يقع الطّلاق إلا إذا علمنا حصول المشيئة ، ومشيئة الله غيب لا سبيل لنا إلى العلم بحصولها ، إلا إذا علمنا أن متعلّق المشيئة وقع وحصل ، وهو (٢) هذا الطلاق ، وعلى هذا لا يعرف حصول المشيئة ، إلّا إذا وقع الطلاق ، ولا يعرف وقوع الطلاق ، إلّا إذا عرفنا المشيئة ، فيوقف كلّ واحد منهما على العلم بالآخر ، وهو دور ؛ فلهذا لم يقع الطّلاق.
فصل
احتجوا بهذه الآية على أنّ المعدوم شيء ، قالوا : لأنّ الشيء الذي سيفعله غدا سمّاه الله تعالى في الحال شيئا ، وهو معدوم في الحال.
[وأجيب](٣) بأنّ هذا الاستدلال لا يفيد إلّا أنّ المعدوم مسمى (٤) بكونه شيئا ، والسبب فيه أنّ الذي يصير شيئا يجوز تسميته بكونه شيئا في الحال تسمية للشيء بما يئول إليه ؛ لقوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] والمراد سيأتي أمر الله.
ثم قال تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن : معناه : إذا نسيت الاستثناء ، ثم ذكرت ، فاستثن (٥).
وقال ابن عباس : بالاستثناء المنقطع ، وإن كان إلى سنة لهذه الآية (٦).
وقيّده الحسن وطاوس بالمجلس.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٩٣.
(٢) سقط من أ.
(٣) في أ: فإن قيل.
(٤) في أ: شيء.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٢٠٨) عن ابن عباس وأبي العالية.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٩٤) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني.
وعن أبي العالية وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٢٠٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٩٤) وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه.