ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ باتّباع إبراهيم صلىاللهعليهوسلم ، بين الشيء الذي أمره بمتابعته فيه ؛ فقال ـ عزوجل ـ : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ).
يجوز أن يكون مفعول «ادع» مرادا ، أي : ادع النّاس ، وألّا يكون مرادا ، أي : افعل ، و«بالحكمة» حال ، أي : ملتبسا بها.
واعلم أنه ـ تعالى ـ أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يدعو النّاس بأحد هذه الطرق الثلاثة ، وهي : (بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) ، والمجادلة بالطريق الأحسن ، وذكر ـ تعالى ـ هذا الجدل في آية أخرى ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ولمّا ذكر الله ـ تعالى ـ هذه الطرق الثلاثة ، وعطف ـ تعالى ـ بعضها على بعض وجب أن تكون طرقا متغايرة.
واعلم أن الدّعوة إلى المذاهب لا بد وأن تكون مبنيّة على حجة وبينة ، والمقصود من ذكر تلك الحجة : إما تقرير ذلك المذهب ، وذلك على قسمين : لأن تلك الحجة إما أن تكون حجة قطعية مبرّأة عن احتمال النقيض ، أو لا تكون كذلك ، بل تكون حجة تفيد الظن الظاهر ، والإقناع الكامل ، فظهر بهذا التقسيم انحصار الحجج في هذه الأقسام الثلاثة :
أولها : الحجة القطعية المفيدة للعقائد اليقينيّة ، وذلك هو المسمّى بالحكمة.
وثانيها : الأمارات الظنية ، والدلائل الإقناعية ، وهي الموعظة الحسنة.
وثالثها : الدلائل التي يكون المقصود منها : إلزام الخصوم وإقحامهم ، وذلك هو الجدل ، ثم هذا الجدل على قسمين :
أحدهما : أن يكون دليلا مركبا من مقدّمات مسلمة عند الجمهور ، أو من مقدمات مسلمة عند ذلك الخصم ، وهذا هو الجدل الواقع على الوجه الأحسن.
والقسم الثاني : أن يكون ذلك الدليل مركبا من مقدمات فاسدة باطلة ، إلّا أن قائلها يحاول ترويجها على المستمعين ، بالسّفاهة والشّغب ، والحيل الباطلة ، والطرق الفاسدة ، وهذا القسم لا يليق بأهل [الفضل](١) ، إنما اللائق بهم القسم الأول ، وهو المراد بقوله : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
فصل
قال المفسرون : قوله : «بالحكمة» أي : بالقرآن ، (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) يعني : مواعظ القرآن. وقيل (الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) هو الدعاء إلى الله ـ تعالى ـ بالتّرغيب والتّرهيب ، وقيل : بالقول اللّين من غير غلظ ولا تعنيف.
(وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ناظرهم بالخصومة ، «التي (هِيَ أَحْسَنُ) أي : أعرض عن
__________________
(١) في أ: العقل.