فصل في بيان الموبق
قال الزمخشري وغيره : والموبق : المهلك ، يقال : وبق يوبق وبقا ، أي : هلك ووبق يبق وبوقا أيضا : هلك وأوبقه ذنبه ، وعن الفراء (١) : «جعل الله تواصلهم هلاكا» فجعل البين بمعنى الوصل ، وليس بظرف ؛ كقوله : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] على قراءة من قرأ بالرفع ، فعلى الأول يكون «موبقا» مفعولا أول للجعل ، والثاني الظرف المتقدّم ، ويجوز أن تكون متعدية لواحد ، فيتعلق الظرف بالجعل أو بمحذوف على الحال من «موبقا».
وعلى قول الفراء ليكون «بينهم» مفعولا أول و«موبقا» مفعولا ثانيا ، والموبق هنا : يجوز أن يكون مصدرا ، وهو الظاهر ، ويجوز أن يكون مكانا.
قال ابن عباس : وهو واد في النّار (٢).
وقال ابن الأعرابيّ : كل حاجز بين الشيئين يكون الموبق.
وقال الحسن : «موبقا» أي : عداوة ، هي في شدّتها هلاك ؛ كقولهم : لا يكن حبك كلفا (٣).
وقيل : الموبق : البرزخ البعيد (٤).
وجعلنا بين هؤلاء الكفّار وبين الملائكة وعيسى برزخا بعيدا ، يهلك فيه النصارى ؛ لفرط بعده ؛ لأنّهم في قاع جهنّم ، وهو في أعلى الجنان.
قوله : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) الآية.
(وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) ، في هذا الظنّ قولان :
الأول : أنه بمعنى العلم واليقين.
والثاني : قال ابن الخطيب (٥) : الأقرب إلى المعنى : أن هؤلاء الكفار يرون النّاس من مكان بعيد ، فيظنّون أنهم مواقعوها في تلك السّاعة ، من غير تأخير من شدّة ما
__________________
ـ وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤١٤) عن ابن عباس وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم ومجاهد وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.
(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٤٧.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٢٤٠) عن أنس بن مالك ومجاهد.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤١٤) عن أنس وزاد نسبته إلى عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في «البعث».
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢١ / ١١٩) عن الحسن.
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) ينظر : المصدر السابق.