أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨) وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً)(١٠١)
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) الآية.
قد تقدّم في أوّل هذه السورة أن اليهود أمروا المشركين أن يسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أصحاب الكهف ، وعن ذي القرنين ، وعن الرّوح ، فقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) هو ذلك السؤال ، واختلفوا في ذي القرنين ، فقيل : هو الإسكندر بن فيلبوس اليونانيّ ، وقيل : كان اسمه مرزبان بن مرزبة من ولد يونان بن يافث بن نوح ، وكان أسود ، قال بعضهم : كان نبيّا ، لقوله تعالى : (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ) والأولى حمله على التمكين في الدّين ، والتّمكين الكامل في الدّين هو النبوة ، ولقوله تعالى : (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) ومن جملة الأسباب النبوة ، فمقتضى العموم أنه آتاه من النبوة سببا ، ولقوله تعالى : (يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) والذي يتكلّم الله معه لا بد وأن يكون نبيا. قال أبو الطفيل ، وسئل عن ذي القرنين : أكان نبيّا أم ملكا؟ قال : لم يكن نبيا ، ولا ملكا ، ولكن كان عبدا أحبّ الله ، فأحبّه الله ، وناصح الله فناصحه.
روي أنّ عمر ـ رضي الله عنه ـ سمع رجلا يقول لآخر : (يا ذَا الْقَرْنَيْنِ) فقال : تسمّيتم بأسماء النبيين ، فلم ترضوا حتى تسمّيتم بأسماء الملائكة. والأكثرون على أنه كان ملكا عادلا صالحا ، واختلفوا في سبب تسميته بذي القرنين قيل : لأنه بلغ قرني الشمس : مشرقها ومغربها ، وأيضا : بلغ ملكه أقصى الشمال ، لأنّ (يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) قوم من الترك يسكنون في أقصى الشمال ، فهذا المسمّى بذي القرنين قد دلّ القرآن على أنّ ملكه بلغ أقصى المغرب والمشرق والشمال ، وهذا نهاية المعمور من الأرض ، ومثل هذا الملك البسيط على خلاف العادات ، فيجب أن يبقى ذكره مخلّدا على وجه الدهر لا يخفى ، والذي اشتهر في كتب التواريخ أن الذي بلغ ملكه إلى هذا الحد ليس إلا الإسكندر ، وذلك أنه لمّا مات أبوه جمع ملك الروم بعد أن كان طوائف ، ثم قصد ملوك العرب وقهرهم ، وأمعن حتى انتهى إلى البحر الأخضر ، ثم عاد إلى مصر ، فبنى الإسكندرية ، وسمّاها باسم نفسه ، ثم دخل الشّام ، وقصد بني إسرائيل ، وور د «بيت المقدس» ، وذبح في مذبحه ، ثم انعطف إلى «أرمينيّة» و«باب الأبواب» ودان له العراقيّون ، والقبط ، والبربر ، ثم توجه نحو دارا بن دارا ، وهزمه مرات إلى أن قتله صاحب حرسه ، واستولى