الآية ؛ لأنّ «اليتيم» وما بعده منصوبان بما بعد فاء الجواب.
وقيل : إنه في موضع الحال من فاعل «تعرضنّ».
قوله تعالى : (مِنْ) ربكم يجوز أن يكون صفة ل «رحمة» ، وأن يكون متعلقا ب «ترجوها» أي : ترجوها من جهة ربّك ، على المجاز.
وقوله : «ترجوها» يجوز أن يكون حالا من فاعل «تعرضنّ» ، وأن يكون صفة ل «رحمة».
قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً)(٣٠)
قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً) الآية.
لمّا أمره بالإنفاق في الآية المتقدمة ، علّمه في هذه الآية أدب الإنفاق.
واعلم أنه تعالى وصف عباده المؤمنين ، فقال تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) [الفرقان : ٦٧].
فها هنا أمر رسوله بمثل ذلك الوصف ، فقال تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) أي لا تمسك عن الإنفاق ، بحيث تضيق على نفسك وأهلك في وجوه صلة الرّحم ، أ: لا تجعل يدك في انقباضها كالمغلولة الممنوعة من الانبساط ، (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) أي : ولا تتوسّع في الإنفاق توسّعا مفرطا بحيث لا يبقى في يدك شيء.
والحكماء ذكروا في كتب الأخلاق أنّ لكلّ خلق طرفي إفراط وتفريط ، وهما مذمومان ، والخلق الفاضل (١) هو العدل والوسط ، فالبخل إفراط في الإمساك ، والتبذير إفراط في الإنفاق ، وهما مذمومان ، والمعتدل الوسط.
روى جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : أتى صبي فقال : يا رسول الله ، إنّ أمّي تستكسيك درعا ، ولم يكن لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إلّا قميصه ، فقال للصبيّ : من ساعة إلى ساعة يظهر كذا فعدّ وقتا آخر ، فعاد إلى أمّه فقالت : قل له : إنّ أمّي تستكسيك الدّرع الذي عليك ، فدخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم داره ، ونزع قميصه ، فأعطاه ، فقعد عريانا ، فأذّن بلال بالصّلاة ، فانتظره ، فلم يخرج ، فشغل قلوب أصحابه ، فدخل عليه بعضهم فرآه عريانا ، فأنزل الله تعالى (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ)(٢) يعني : لا تمسك يدك عن النفقة في الحقّ كالمغلولة يده ، ولا يقدر على مدّها ، (وَلا تَبْسُطْها) بالعطاء (كُلَّ الْبَسْطِ) فتعطي جميع ما عندك.
و (كُلَّ الْبَسْطِ) : نصب على المصدر ؛ لإضافتها إليه ، و«فتقعد» نصب على جواب
__________________
(١) في أ: العادل.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١١٢).