ثم قال : (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي يمهل في أكثر الأمر ؛ لأنه رءوف رحيم ، فلا يعاجل بالعذاب.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠) وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (٥٢) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)(٥٥)
قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) الآية قرأ الأخوان (١) : «تروا» بالخطاب جريا على قوله : (فَإِنَّ رَبَّكُمْ).
والباقون : بالياء جريا على قوله : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا) [النحل : ٤٥].
وأما قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ) [الملك : ١٩] فقراءة حمزة أيضا بالخطاب (٢) ، ووافقه ابن عامر فيه ؛ فحصل من مجموع الآيتين : أنّ حمزة بالخطاب فيهما ، والكسائي (٣) بالخطاب في الأولى ، والغيبة في الثانية ، وابن عامر بالعكس ، والباقون : بالغيبة فيهما.
وأما توجيه الأولى فقد تقدم ، وأما الخطاب في الثانية ؛ فجريا على قوله تعالى : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) [النحل : ٧٤] وأمّا الغيبة ؛ فجريا على قوله تعالى (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [النحل : ٧٣] إلى آخره ، وأمّا تفرقة الكسائي ، وابن عامر بين الموضعين ؛ فجمعا بين الاعتبارين ، وأنّ كلّا منهما صحيح.
فصل
لمّا خوّف المشركين بأنواع العذاب المتقدمة ، أردفه بما يدلّ على كمال قدرته في تدبير أحوال العالم العلوي ، والسفلي ؛ ليظهر لهم أنّ مع كمال هذه القدرة القاهرة ، والقوة الغير متناهية ، كيف يعجز عن إيصال العذاب إليهم؟ وهذه الرؤية لما كانت بصرية وصلت ب «إلى» ؛ لأن المراد بها الاعتبار ، والاعتبار لا يكون بنفس الرؤية ، حتى يكون مع النظر إلى الشيء الكامل في أحواله.
__________________
(١) ينظر : الإتحاف ٢ / ١٨٤ ، التيسير ١٣٧ ، والحجة للفارسي ٥ / ٦٦ القرطبي ١٠ / ٧٤ والبحر ٥ / ٤٨٠ ، والدر المصون ٤ / ٣٢٩ ، وإعراب القراءات ١ / ٣٥٤.
(٢) ينظر : النشر ٢ / ٣٠٤ والحجة للفارسي ٥ / ٦٧ ، وإعراب القراءات ١ / ٣٥٤ ، والدر المصون ٤ / ٣٢٩.
(٣) ينظر : الدر المصون ٤ / ٣٢٩.