قوله تعالى : «أيّان» منصوب بما بعده لا بما قبله ؛ لأنّه استفهام ، وهو معلق ل (ما يَشْعُرُونَ) فجملته في محل نصب على إسقاط الخافض ، هذا هو الظاهر.
وقيل : إن «أيّان» ظرف لقوله (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) يعني : أنّ الإله واحد يوم القيامة ، ولم يدّع أحد [تعدّد](١) الآلهة في ذلك اليوم ، بخلاف أيّام الدنيا ، فإنه قد وجد فيها من ادّعى ذلك ، وعلى هذا فقد تم الكلام على قوله «يشعرون» إلّا أنّ هذا القول مخرج ل «أيّان» عن [موضوعها](٢) ، وهو إمّا الشرط ، وإمّا الاستفهام إلى محض الظرفية ، بمعنى وقت مضاف للجملة بعده ؛ كقولك «وقت يذهب عمرو منطلق» ف «وقت» : منصوب ب «منطلق» مضاف ل «يذهب».
قوله تعالى : (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ)(٢٣)
قوله تعالى : (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) لما زيف طريقة عبدة الأصنام وفساد مذاهبهم ، قال : (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ثمّ ذكر ما لأجله أصرّ الكفار على الشرك ؛ فقال : (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) جاحدة (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) مستعظمون أي : إنّ المؤمنين في الآخرة يرغبون بالفوز في الثواب الدائم ، ويخافون العقاب الدائم ، فإذا سمعوا الدلائل خافوا ، وتأمّلوا ، وتفكروا فيما يسمعون ، فلا جرم ينتفعون بسماع الدلائل ، ويرجعون إلى الحقّ.
وأمّا الذين لا يؤمنون بالآخرة وينكرونها ، فإنهم لا يرغبون في الثواب ولا يرهبون عن الوقوع في العقاب ، فيبقون منكرين لكلّ كلام يخالف قولهم ، ويستكبرون عن الرجوع إلى قول غيرهم ، فيبقون مصرّين على الجهل والضلال.
قوله تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ).
قد تقدم الكلام على لفظة «لا جرم» في سورة هود ـ عليهالسلام ـ والعامة على فتح الهمزة من «أن الله» ، وكسرها عيسى (٣) الثقفي رحمهالله ، وفيها وجهان :
أظهرهما : الاستئناف.
والثاني : جريان «لا جرم» مجرى القسم فيتلقى بما يتلقى به.
وقال بعض العرب : «لا جرم والله لا [فارقتك]» (٤) وهذا يضعف كونها للقسم ؛ لتصريحه بالقسم بعدها ، وإن كان أبو حيّان أتى بذلك مقوّيا لجريانها مجرى القسم.
قوله : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) ، أي : أنّ إصرارهم على الكفر ليس لأجل شبهة تصوروها ، بل لأجل التقليد لأسلافهم ، والتّكبرّ ؛ قال عليه الصلاة والسلام : «لا يدخل
__________________
(١) زيادة من : ب.
(٢) في ب : موضعها.
(٣) ينظر : الشواذ ٧٢ ، البحر ٥ / ٤٦٩ ، الدر المصون ٤ / ٣٢٠.
(٤) في أ: أفارقك.