تعالى ما ذكر موسى في كتابه إلّا وأراد به موسى صاحب التوراة ، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه ، ولو كان المراد شخصا آخر يسمّى موسى غيره ، لعرّفه بصفة تميّزه وتزيل الشبهة كما أنّه لما كان المشهور في العرف أنّ أبا حنيفة هو الرجل المفتي ، فلو ذكرنا هذا الاسم ، وأردنا به غيره ، لقيّدناه ، كما نقول : أبو حنيفة الدّينوريّ.
فصل في حجة القائلين بأنه موسى بن ميشا
واحتج القائلون بأنّه موسى بن ميشا بأنّ الله تعالى بعد أن أنزل عليه التوراة ، وكلّمه بلا واسطة ، وخصّه بالمعجزات الباهرة العظيمة التي لم يتّفق مثلها لأكثر أكابر الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ يبعد أن يبعثه بعد ذلك إلى التّعليم والاستفادة.
[فالجواب](١) عنه : بأنّه ليس ببعيد أن يكون العالم العامل الكامل في أكثر العلوم يجهل بعض الأشياء ؛ فيحتاج إلى تعلّمها إلى من هو دونه ، وهو أمر متعارف.
فصل في اختلافهم في فتى موسى
واختلفوا في فتى موسى ، فالصحيح أنه يوشع بن نون ؛ كما روي في الحديث المتقدّم ، وقيل : كان أخا يوشع.
وروى عمرو بن عبيد عن الحسن أنّه عبد لموسى.
قال القفّال والكعبي : يحتمل ذلك.
قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لا يقولنّ أحدكم : عبدي وأمتي ، وليقل : فتاي وفتاتي» (٢).
وهذا يدلّ على أنهم كانوا يسمّون العبد فتى ، والأمة فتاة.
قوله : «لا أبرح» يجوز فيها وجهان :
أحدهما : أن تكون ناقصة ، فتحتاج إلى خبر.
والثاني : أن تكون تامة ، فلا تحتاج إليه ، فإن كانت الناقصة ، ففيها تخريجان :
أحدهما : أن يكون الخبر محذوفا ؛ للدلالة عليه تقديره : لا أبرح أسير حتّى أبلغ ، إلّا أن حذف الخبر في هذا الباب نصّ بعض النحويّين على أنه لا يجوز ولو بدليل ، إلا في ضرورة ؛ كقوله: [الكامل]
٣٥٤٥ ـ لهفي عليك للهفة من خائف |
|
يبغي جوارك حين ليس مجير (٣) |
أي : حين ليس في الدنيا مجير.
والثاني : أنّ في الكلام حذف مضاف ، تقديره : لا يبرح مسيري ، حتّى أبلغ ، ثم
__________________
(١) في ب : فأجيب.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.