فصل في معنى الآية
المعنى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) : القرآن والإسلام والبيان من الله عزوجل.
وقيل : إنه الرسول صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) ويتوبوا.
قوله : (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) وهو عذاب الاستئصال وقيل : إلا طلب أن يأتيهم سنّة الأولين من معاينة العذاب ، كما قالوا : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال : ٣٢].
قوله : (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً).
قال ابن عباس : أي عيانا من المقابلة (١).
وقال مجاهد : فجأة (٢).
قرأ حمزة ، والكسائيّ ، وعاصم ، وأبو جعفر بضمّ القاف والباء ، جمع قبيل : أي أصناف العذاب نوعا نوعا ، والباقون بكسر القاف ، وفتح الباء ، أي عيانا.
وروى الزمخشري : «قبلا» بفتحتين ، أي : [مستقبلا ، والمعنى :] أنهم لا يقدمون على الإيمان إلا عند نزول العذاب. واعلم أنّهم لا يوقفون الإقدام على الإيمان على أحد هذين الشرطين ؛ لأنّ العاقل لا يرضى بحصول الأمرين إلا أنّ حالهم بحال من وقف العمل على أحد هذين الشّرطين.
ثم بيّن تعالى أنه إنما أرسل الرّسل مبشّرين ومنذرين بالعقاب على المعصية ؛ لكي يؤمنوا طوعا ، ومع هذه الأحوال يوجد من الكفّار المجادلة بالباطل ؛ لغرض دحض الحقّ ؛ وهذا يدلّ على أنّ الأنبياء كانوا يجادلونهم ، كما تقدّم من أنّ المجادلة إنّما تحصل من الجانبين ، ومجادلتهم قولهم: (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٤] ، وقولهم : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١].
قوله : (لِيُدْحِضُوا) : متعلّق ب «يجادل» والإدحاض : الإزلاق ، يقال : أدحض قدمه ، أي : أزلقها ، وأزلّها من موضعها. والحجّة الداحضة الّتي لا ثبات لها لزلزلة قدمها ، والدّحض : الطّين ؛ لأنه يزلق فيه ، قال : [الطويل]
__________________
(١) ذكره الماوردي (٣ / ٣١٩) والبغوي (٣ / ١٦٩) والقرطبي (١١ / ٦).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٢٤٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤١٥) وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.