والبخع : الإهلاك ، يقال : بخع الرجل نفسه يبخعها بخعا وبخوعا ، أهلكها وجدا. قال ذو الرمة : [الطويل]
٣٤٨٣ ـ ألا أيّهذا الباخع الوجد نفسه |
|
لشيء نحته عن يديه المقادر (١) |
يريد : نحّته بالتشديد ، فخفف ، قال الأصمعي : كان ينشده : «الوجد» بالنصب على المفعول له ، وأبو عبيدة رواه بالرّفع على الفاعلية ب «الباخع».
وقيل : البخع : أن تضعف الأرض بالزّراعة ، قاله الكسائي ، وقيل : هو جهد الأرض وعلى هذا معنى (باخِعٌ نَفْسَكَ) أي ناهكها وجاهدها ؛ حتّى تهلكها ، وقيل : هو جهد الأرض في حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن عمر : «بخع (٢) الأرض» تعني جهدها ؛ حتّى أخذ ما فيها من أموال ملوكها ، وهذا استعارة ، ولم يفسّره الزمخشريّ هنا بغير القتل والإهلاك ، وقال في سورة الشعراء : «البخع» : أن يبلغ بالذّبح البخاع بالباء وهو عرق مستبطن الفقار ، وذلك أقصى حدّ الذابح. قال شهاب الدين : وسمعت شيخنا علاء الدين القونيّ يقول : «تتبّعت كتب الطبّ والتشريح ، فلم أجد لهذا أصلا».
فصل
يحتمل أنه لما ذكروه ، سمّوه باسم آخر ؛ لكونه أشهر فيما بينهم.
وقال الرّاغب (٣) : «البخع : قتل النفس غمّا» ثم قال : «وبخع فلان بالطاعة ، وبما عليه من الحق : إذا أقرّ به ، وأذعن مع كراهة شديدة ، تجري مجرى بخع نفسه في شدّته».
قوله : (عَلى آثارِهِمْ) متعلّق ب «باخع» أي : من بعد هلاكهم.
يقال : مات فلان على أثر فلان ، أي بعده ، وأصل هذا أنّ الإنسان ، إذا مات ، بقيت علاماته ، وآثاره بعد موته مدّة ، ثمّ إنّها تنمحي وتبطل بالكليّة ، فإذا كان موته قريبا من [موت](٤) الأول ، كان موته حاصلا حال بقاء آثار الأول ، فصحّ أن يقال : مات فلان على أثر فلان.
قوله : (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ) يعني القرآن.
قال القاضي (٥) : وهذا يقتضي وصف القرآن بأنه حديث ، وذلك يدلّ على فساد قول من يقول : إنه قديم.
وأجيب بأنه محمول على الألفاظ ، وهي حادثة.
قوله : (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا) : قرأ العامة بكسر «إن» على أنها شرطية ، والجواب محذوف
__________________
(١) ينظر : ديوانه (٢٥١) ، المقتضب ٤ / ٢٥٩ ، شرح المفصل لابن يعيش ٢ / ٧ ، مجاز القرآن ١ / ٣٩٣ ، التّاج واللسان «بخع» ، الدر المصون ٤ / ٣٣٤ ، الراغب [بخع].
(٢) ينظر : تفسير الرازي (٢١ / ٦٧).
(٣) ينظر : المفردات ٤٨.
(٤) سقط من ب.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٦٧.