لانه جعل المأمور من سبب الأمور ولم يجعله من سبب المذكّر وهو المنهىّ ، وقد جرّه قوم فجعلوا المأمور للمنهي والمنهىّ هو الأمور لانه من الأمور وهو بعضها فأجراه وأنّثه كما قال جرير : [وافر]
(٤٧) اذا بعض السّنين تعرّقتنا |
|
كفى الايتام فقد أبى اليتيم |
__________________
ـ زيد والحجرة عمرو جرى آخر الكلام وأوله على سواء من تقديم الخبرين على المخبر عنهما واحتمل الكلام الحذف من الثاني لدلالة الأول على المحذوف والاتصال المحذوف بحرف العطف القائم مقامه في الاتصال بالمجرور فلم يبق في الكلام ازالة شيء عن موضعه لوقوع الرتبة فيه وحصولها ، فاذا قلت زيد في الدار والحجرة عمرو لم يجز لان خبر الأول وقع مؤخرا فيجب في خبر الآخر أن يقدر مؤخرا طلبا للاستواء وأنت اذا أخرته فقلت زيد في الدار وعمرو الحجرة ، بطل لحذف حرف الجر مع التفريق بين المجرور وحرف العطف وكل ما لم يجز حذفه في التأخر لم يجز مع التقدم وكذلك القول في ان في الدار زيدا والحجرة عمرا ، وفي قولك ليس بقائم زيد ولا خارج عمرو ، لان هذا كله جار على الرتبة فجاز فيه الحذف على ما تقدم فأن أخرت الخبرين في المسئلتين بطل فيهما ما بطل في الاول فقوله ليس بآتيك منهيها ولا قاصر عنك مأمورها بمنزلة قولك ليس بقائم زيد ولا خارج عمرو ، وكذلك بيت الجعدي ولو كان تأليف البيتين ليس منهيها بآتيك ولا قاصر عنك مأمورها ، وليس أن تردها صحاحا بمعروف ولا مستنكر عقرها لم يجز لما قدّمنا ، فحمل البيتين على جواز الجر في الثاني وان كان الآخر أجنبيا من الأول خارج عن هذا ولا يحتاج الى ما تأوله سيبويه من جعل المنهى كالأمور ورد الضمير المضاف اليه المأمور عليه لأن المأمور لا يكون من المنهي بوجه وان كان أمورا وكذلك العقر لا يجوز أن يضاف الى ضمير الرد وان كان الرد ملتبسا بالخيل لانه لا معنى له اذ ليس الرد بالخيل ولا العقر واقعا به في التحصيل فقد بطل مذهب سيبويه وصح التأويل الذي ذكرنا في البيتين مع السماع من العرب ووجوده في القرآن والشعر ، قال الله عزوجل (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) الى قوله (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ) وآيات بالرفع على موضع ان والنصب على المنصوب بها وقد حذف الجار من الخبر كما ترى ولا يلتفت الى ما تأوله النحويون في الآية مما ذكرنا في كتاب النكت عنهم مع الشاهد القاطع وهو قوله عزوجل (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) الى آخر الآية ، ثم قال (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) والتقدير للذين أحسنوا الحسنى وللذين –