أنك لو قلت أتاني الا أبوك كان محالا ، وانما جاز ما أتاني القوم الا أبوك لأنه يحسن لك أن تقول ما أتاني الا أبوك فالمبدل إنما يجىء أبدا ، كأنه لم يذكر قبله شيء لأنك تخلى له الفعل وتجعله مكان الأوّل ؛ فاذا قلت ما أتاني القوم الا أبوك فكأنك قلت ما أتاني الا أبوك وتقول ما فيهم أحد الا قد قال ذلك الا زيدا كأنه قال قد قالوا ذلك الا زيدا.
[باب ما يكون فيه إلا وما بعده وصفا بمنزلة مثل وغير]
وذلك قولك لو كان معنا رجل الا زيد لغلبنا ، والدليل على أنه وصف أنك لو قلت لو كان معنا الا زيد لهلكنا وأنت تريد الاستثناء لكنت قد أحلت ، ونظير ذلك قوله عزوجل (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)، ونظير ذلك من الشعر قوله (وهو ذو الرمّة) : [طويل]
(١) أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة |
|
قليل بها الأصوات الا بغامها |
كأنه قال قليل بها الأصوات غير بغامها اذا كانت غير غير استثناء ومثل ذلك قوله تعالى (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ)، وقوله عزوجل (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) ومثل ذلك في الشعر للبيد بن ربيعة : [رمل]
(٢) واذا أقرضت قرضا فاجزءه |
|
انما يجزى الفتى غير الجمل |
__________________
(٥٥٩) الشاهد في وصف الاصوات بقوله الا بغامها على تأويل غير والمعنى قليل بها الاصوات غير بغامها أي الاصوات التي هي غير صوت الناقة ، وأصل البغام للظبي فاستعاره للناقة ، ويجوز أن يكون البغام بدلا من الاصوات على أن يكون قليل بمعني النفي فكأنه قال ليس بها صوت الا بغامها* وصف ناقة أناخها في فلاة لا يسمع فيها صوت الا صوتها لقلة خيرها ، وأراد بالبلدة الاولى ما يقع على الارض من صدرها اذا بركت وبالبلدة الاخيرة الفلاة والبلد الذي أناخها به.
(٥٦٠) الشاهد فيه نعت الفتى وهو معرفة بغير وان كان نكرة والذي سوغ هذا أن التعريف بالالف واللام يكون للبعض فلا يخص واحدا بعينه فهو مقارب للنكرة وان غيرا ـ