ومثل ذلك قول النابغة الجعدىّ : [طويل]
(٤٨) فليس بمعروف لنا أن نردّها |
|
صحاحا ولا مستنكر ان تعقّرا |
كأنّه قال ليس بمعروف لنا ردّها صحاحا حاولا مستنكر عقرها والعقر ليس للردّ وقد يجوز أن يجرّ ويحمله على الرد ويؤنث لأنه من الخيل كما قال ذو الرمة : [طويل]
(٤٩) مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت |
|
أعاليها مرّ الرياح النواسم |
كأنه قال تسفّهتها الرياح وكأنه قال ليس بآتيتك منهيّها وليس بمعروفة ردّها حين كان من الخيل والخيل مؤنّثة فأنث ، ومثل هذا قوله عزوجل (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أجرى الأول على لفظ الواحد والآخر على المعنى فهذا مثله في أنه تكلّم به مذكرا ثم انث كما جمع هيهنا وهو في قوله ليس بآتيتك منهيّها كأنه قال ليس بآتيتك الأمور وفي ليس بمعروفة ردّها كأنه قال ليس بمعروفة خيلنا صحاحا ، وان شئت نصبت فقلت ولا مستنكرا ان تعقّرا ولا قاصرا عنك مأمورها على قولك ليس زيد ذاهبا ولا عمر ومنطلقا أو ولا منطلقا عمرو ، وتقول ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة وان شئت نصبت شحمة وبيضاء
__________________
ـ أسائوا جزاء بالسيئة فحذف من الآخر حرف الجر لذكره في الاول فهكذا قولك لزيد عقل وعمرو أدب تريد ولعمرو أدب ، وكذلك ما حكاه سيبويه رحمهالله من قول العرب ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة أراد ولا كل بيضاء شحمة فحذف كلا من الآخر كما حذف حرف الجر فيما ذكرناه ، وكذلك البيت الذي أنشده لأبي دواد وهو قوله :
أكل امرىء تحسبين امرأ |
|
ونار توقد بالليل نارا |
أراد وكل نار فحذف لما جرى من ذكر كل مع تقديمه المجرورين وحصول الرتبة في آخر الكلام واتصال المجرور بحرف العطف لفظا ومعنى ولو كان تأليف البيت أتحسبين امر أكل امرىء ونار توقد بالليل نارا لم يجز حتى تظهر كلا لانك ان أعطيت الكلام حقه من الاستواء لزمك تأخير النار المجرورة بكل المقدرة كما أخرت كلا الاول فكنت تقول أتحسبين امرء كل امرىء وتحسبين نارا نار تريد كل نار وقد تقدم فساد ذلك وكذلك المسائل التي ذكر في آخر الباب قياسها كلها واحد وهي بمنزلة الابيات والابيات لا فرق بينها فتأمل ذلك تجده صحيحا جاريا على أصل مطرد ان شاء الله ومعاني الابيات ظاهرة مستغنية عن التفسير.