وإنما سهل تفسيره عندهم لأنّ المضمر قد استعمل في هذا الموضع باظهار ، حدّثنا أبو الخطّاب أنّه سمع بعض العرب وقيل له لم أفسدتم مكانكم هذا فقال الصّبيان بأبي ، كأنه حذر أن يلام فقال لم الصبيان ، وحدّثنا من يوثق به أنّ بعض العرب قيل له أما بمكان كذا وكذا وجد وهو موضع يمسك الماء فقال بلى وجاذا أي فأعرف بها وجاذا ، ومن ذلك قول الشاعر (وهو ابراهيم بن هريمة القرشي) : [طويل]
(١) أخاك أخاك إنّ من لا أخاله |
|
كساع الى الهيجا بغير سلاح |
كأنّه يريد الزم أخاك ومن ذلك قولك زيدا وعمرا كأنّك قلت اضرب زيدا وعمرا كما قلت زيدا وعمرا رأيت ، ومنه قول العرب أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك ، والظّباء على البقر يقول عليك أمر مبكياتك وخلّ الظّباء على البقر.
[باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره من غير الامر والنهي]
وذلك إذا رأيت رجلا متوجّها وجهة الحاجّ قاصدا في هيئة الحاجّ فقلت مكّة وربّ الكعبة حيث ركنت أنه يريد مكة ، كأنك قلت يريد مكّة والله ، ويجوز أن تقول مكة والله على قولك أراد مكة والله كأنك أخبرت بهذه الصفة عنه أنه كان فيها أمس فقلت مكة والله أى أراد مكة إذ ذاك ، ومن ذلك قوله عزوجل (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) أي بل نتّبع ملّة إبراهيم حنيفا كأنه قيل لهم اتّبعوا حين قيل لهم (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) أو رأيت رجلا يسدّد سهما قبل القرطاس فقلت القرطاس والله ، أي يصيب القرطاس ، واذا سمعت وقع السهم في القرطاس قلت
__________________
(٢٠٧) الشاهد فيه نصب الأخ باضمار فعل والتقدير الزم أخاك واحفظ أخاك ، واستشهد به فيما يستعمل اضمار الفعل فيه ، وهذا التكرير يقوم مقام اظهار الفعل فلا يجوز معه الاظهار ، وانما اراد سيبويه تمثيل النصب باضمار فعل خاصة وان كان هذا مما لا يجوز اظهاره* يقول استكثر من الاخوان فانهم عدة يستظهر بها على الزمان ، كما قال الرسول عليه الصلاة والسّلام المرء كثير بأخيه ، وجعل من لا أخا له يستظهر به كمن قاتل عدوه ولا سلاح معه ، والهيجاء الحرب يمد ويقصر.