فتقول أتيتك غدا وسآتيك أمس ، وأما المستقيم الكذب فقولك : حملت الجبل وشربت ماء البحر ونحوه ، وأما المستقيم القبيح فأن تضع اللفظ في غير موضعه نحو قولك قد زيدا رأيت وكي زيد يأتيك وأشباه هذا ، وأما المحال الكذب فأن تقول : سوف أشرب ماء البحر أمس.
[باب ما يحتمل الشعر]
اعلم أنه يجوز في الشعر ما لا يجوز في الكلام من صرف ما لا ينصرف يشبّهونه بما ينصرف من الاسماء لانها أسماء كما انها أسماء وحذف ما لا يحذف يشبّهونه بما قد حذف واستعمل محذوفا كما قال العجّاج : [رجز]
(١) قواطنا مكّة من ورق الحمى
يريد الحمام وكما قال خفاف بن ندبة السّلمي : [كامل]
(٢) كنواح ريش حمامة نجديّة |
|
ومسحت باللثتين عصف الأثمد |
__________________
(١) يريد الحمام فغيرها الى الحمى وفي ذلك اوجه احسنها عندي واشبهها بالمستعمل من كلام العرب أن يكون اقتطع بعض الكلمة للضرورة وأبقى بعضها لدلالة المبقى على المحذوف منها وبناها بناء يد ودم وجبرها بالاضافة والحقها الياء في اللفظ لوصل القافية فيكون في التغيير والحذف مثل قول لبيد* عفت المنا بمتالع فأبان* أراد المنازل فغير كما ترى وهذا بين جدا ، ووجه آخر أن يكون حذف الألف من زيادتها فبقي الحمم وأبدل من الميم الثانية ياء استثقالا للتضعيف كما قالوا تظنيت في تظننت ثم كسر ما قبل الياء لتسلم من الانقلاب الى الالف فقال الحمى ، ووجه آخر ان يكون حذف الميم للترخيم في غير النداء ضرورة وأبدل من الألف ياء كما يبدل من الياء ألف في قولهم مدارى وعذارى وانما أصله مدار وعذار* وصف في البيت حمام مكة القاطنة بها لأمنها فيها وواحدة القواطن قاطنة وهي الساكنة المقيمة وصرفها ضرورة والورق جمع اورق وورقاء وهي الشيء على لون الرماد تضرب الى الخضرة.
(٢) أراد كنواحى ريش فحذف الياء في الاضافة ضرورة شبهالها بها في حال الافراد والتنوين وحال الوقف.
وصف في البيت شفتي المرأة فشبههما بنواحي ريش الحمامة في رقتهما ولطافتهما وحوتهما وأراد ان لثاتها تضرب الى السمرة فكأنها مسحت بالأثمد ، وعصف الاثمد ، ما سحق منه وهو من عصفت الريح اذا هبت بشدة ، سحقت ما مرت عليه وكسرته وهو مصدر وصف به المفعول ـ