واعلم أنّ ناسا من العرب يغلطون فيقولون إنهم أجمعون ذاهبون وإنّك وزيد ذاهبان ، وذاك أنّ معناه معنى الابتداء فيرى أنه قال هم كما قال : * ولا سابق شيئا اذا كان جائيا* على ما ذكرت لك ، وأمّا قوله عزوجل (وَالصَّابِئُونَ) فعلى التقديم والتأخير كأنه ابتدء على قوله والصّابئون بعد ما مضى الخبر ، وقال الشاعر (بشر بن أبي حازم) : [وافر]
(١) وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم |
|
بغاة ما بقينا في شقاق |
كأنه قال بغاه ما بقينا وأنتم :
[باب كم]
اعلم أنّ لكم موضعين فأحدهما الاستفهام وهو الحرف المستفهم به بمنزلة كيف وأين والموضع الآخر الخبر ومعناها معنى ربّ وهي تكون في الموضعين اسما فاعلا ومفعولا وظرفا ، ويبنى عليها ، إلا أنها لا تصرّف تصرّف يوم وليلة ، كما أنّ حيث وأين لا يتصرّفان تصرّف تحتك وخلفك وهما موضعان بمنزلتهما غير أنها حروف لم تتمكّن في الكلام ، إنما لها مواضع تلزمها في الكلام ، ومثل ذلك في الكلام كثير وقد ذكر فيما مضى وستراه فيما تستقبل ان شاء الله أمّا كم في الاستفهام اذا أعملت فيما بعدها فهي بمنزلة اسم يتصرّف في الكلام منوّن قد عمل فيما بعده لانه ليس من صفته ولا محمولا على ما حمل عليه ، وذلك الاسم عشرون وما أشبهها نحو ثلاثين وأربعين ، واذا قال لك رجل كم لك فقد سألك عن عدد لأن كم إنما هي مسألة عن عدد هيهنا ، فعلى المجيب أن يقول عشرون أو ما شاء مما هو أسماء لعدة ، فاذا قال لك كم لك درهما أو كم
__________________
(٤٢٩) الشاهد فيه رفع قوله وأنتم على التقديم والتأخير والتقدير فاعلموا أنا بغاة وأنتم ، فأنتم مبتدأ والخبر محذوف لعلم السامع والمعنى وانتم بغاة ، ويجوز أن يكون المحذوف خبر أن ، كما تقول ان هندا وزيد منطلق فالمعنى ان هندا منطلقة وزيد منطلق فحذفت خبر الاولى لدلالة الآخر عليه ، والبغاة جمع باغ وهو الساعي بالفساد ، والشقاق الخلاف وأصله أن يأتي كل واحد من الفريقين ما يشق على صاحبه أو يكون كل واحد منهما في شق غير شق صاحبه والشق الجانب.