يا رب ﴿أَ رَأَيْتَكَ﴾ وأخبرني عن ﴿هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ﴾ وفضلّته ﴿عَلَيَ﴾ بأن أمرتني بالسجود له مع ملائكتك ، لم كرّمته عليّ وشرّفته بالخلافة وأنا خير منه بعزّتك ؟ ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ﴾ حيا وأنظرتني ﴿إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ،﴾ وقيل : يعني إن أبقيتني على صفة الإغواء والضلالة (١)﴿لَأَحْتَنِكَنَ﴾ ولأستأصلنّ ﴿ذُرِّيَّتَهُ﴾ بالعذاب ، أو لأستولينّ عليهم بالإغواء ﴿إِلَّا قَلِيلاً﴾ منهم ، وهم المخلصون الذين عصمتهم من اتّباع الشهوات والخطايا والزلات.
﴿قالَ﴾ الله تعالى تبعيدا وإهانة أو تهديدا له : ﴿اذْهَبْ﴾ يا ملعون وافعل ما شئت ﴿فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾ على الضلالة والعصيان وأطاعك في الكفر والطغيان ﴿فَإِنَّ جَهَنَّمَ﴾ يا إبليس ويا أتباع إبليس ﴿جَزاؤُكُمْ﴾ على مخالفتي حال كونها ﴿جَزاءً مَوْفُوراً﴾ كاملا تاما ﴿وَاسْتَفْزِزْ﴾ وحرّك إلى المعصية ، أو استزلّ ﴿مَنِ اسْتَطَعْتَ﴾ أن تستفزّه أو تزلّه من ذرية آدم وقدرت أن تهيجه لمخالفتي ﴿مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ ودعائك ووسوستك.
وقيل : إنّ المراد بصوته : الغناء والمزامير (٢) . وقيل : الأصوات التي ليس فيها رضا الله. ﴿وَأَجْلِبْ﴾ وصح ، أو اجمع ، أو استعن ﴿عَلَيْهِمْ﴾ وعلى إغوائهم ﴿بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾ وفرسانك ومشاتك.
وقيل : بجميع جندك. وقيل : بجميع قواك وغاية جهدك (٣) .
عن ابن عباس : كلّ راكب أو راجل في معصية الله فهو من خيل إبليس وجنوده (٤) . ﴿وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ﴾ بترغيبهم إلى تحصيلها من الوجه المحرّم ، أو إلى التصرّفات المحرّمة فيها ، أو إلى جعل البحيرة والسائبة وأخواتهما ، أو إلى أن يجعلوا فيها نصيبا لغير الله ﴿وَ﴾ في ﴿الْأَوْلادِ﴾ بتهييجهم إلى الزنا ، أو تسميتهم بعبد اللات ، أو عبد العزّى ، أو الى دعوة أولادهم إلى اليهودية أو النصرانية أو سائر الأديان الباطلة ، أو إلى الاقدام في قتلهم ، أو إلى ترغيبهم في الفحش أو القتل والقتال والحرف الخبيثة.
وعن الصادق عليهالسلام ، أنّه قرئت عليه هذه الآية ثمّ قال : « إنّ الشيطان ليجيئ حتى يقعد من المرأة كما يقعد الرجل منها ، ويحدث كما يحدث ، وينكح كما ينكح » قيل : بأيّ شيء يعرف ؟ قال : « بحبنّا وبغضنا ، فمن أحبنا كان نطفة العبد ، ومن أبغضنا كان نطفة الشيطان » (٥) .
وعنه عليهالسلام : « إذا ذكر اسم الله تنحّى الشيطان ، وإن فعل ولم يسمّ أدخل ذكره ، وكان العمل منهما
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ١٨٠ ، وفيه : والإضلال.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ١٨١.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ١٨١.
(٤) تفسير الرازي ٢١ : ٦ ، تفسير أبي السعود ٥ : ١٨٤.
(٥) الكافي ٥ : ٥٠٢ / ٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٠٣.