الفضائل النفسانيّة والكمالات الروحانيّة.
ثمّ نبّه سبحانه على أنّ التفضيل إنّما هو بالفيوضات المعنوية من العلم والكتاب لا بالسلطنة بقوله: ﴿وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً﴾ وفضلّناه به لا بالملك والسلطنة ، فاذا كان كذلك فلا بعد في أن نفضّل محمّدا صلىاللهعليهوآله على جميع الخلق من الأولين والآخرين بإتيانه القرآن الذي هو أفضل الكتب السماوية ، وتعميم رسالته إلى يوم القيامة.
وقيل : إن وجه تخصيص داود وكتابه بالذكر أنّ في الزّبور أنّ محمّدا خاتم الأنبياء ، وأن امّته خير الامم (١) .
وقيل : إنّ وجهه أنّ اليهود كانوا يقولون : إنّه لا نبيّ بعد موسى ، ولا كتاب بعد التوراة. فنقض الله كلامهم بإنزال الزبور على داود (٢) .
أقول : الظاهر أنّ اليهود ينكرون بعث رسول بعد موسى له شرع غير شرعه ، ونزول كتاب ناسخ لكتابه ، لا بعث مطلق الرسول ونزول مطلق الكتاب.
عن الصادق عليهالسلام : « سادة النبيين والمرسلين خمسة ، وهم اولو العزم من الرسل ، وعليهم دارت الرحى : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، وفضله على جميع الأنبياء » (٣) .
وفي ( العلل ) عن النبي صلىاللهعليهوآله : « أنّ الله تعالى فضّل الأنبياء المرسلين على ملائكته المقرّبين ، وفضّلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا عليّ وللأئمّة من ولدك ، وإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا » (٤) .
وعن ابن عباس : أنّه جلس ناس من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله يتذاكرون ، وهم ينتظرون خروجه ، فخرج حتى دنا منهم ، فسمعهم يتذاكرون ، فسمع حديثهم فقال بعضهم : عجبا إنّ الله اتّخذ إبراهيم من خلقه خليلا ! وقال آخر : ماذا بأعجب من أنّ الله كلّم موسى تكليما ؟ وقال آخر : ماذا بأعجب من جعل عيسى كلمة الله وروحه ؟ فقال آخر : ماذا بأعجب من آدم اصطفاه الله عليهم ؟ فسلّم رسول الله صلىاللهعليهوآله على أصحابه ، وقال : « قد سمعت كلامكم وعجبكم من أنّ ابراهيم خليل الله وهو كذلك ، وأن موسى كليم الله وهو كذلك ، وأن عيسى روح الله وكلمته وهو كذلك ، وأنّ آدم اصطفاه الله وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين على
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٣٠.
(٢) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٣٠.
(٣) الكافي ١ : ١٣٤ / ٣ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٨.
(٤) علل الشرائع : ٥ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٨.