والنيّات ﴿وَما تُعْلِنُونَ﴾ وتظهرون من الأعمال ، ثم صرّح بنفي الشريك له في العبادة بقوله : ﴿اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.﴾
ثمّ لمّا وصف عرش بلقيس بالعظمة ، وصف الله بقوله : ﴿رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ الذي لا يعادله في العظمة عرش أحد من الملوك ، بل لا يليق توصيفه بالعظمة في قباله.
في الحديث : « أنهاكم عن قتل الهدهد فانّه كان دليل سليمان على قرب الماء وبعده ، وأحبّ أن يعبد الله في الأرض حيث يقول : ﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ* إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ﴾ إلى آخر الآيات (١) .
قيل : إن قول الهدهد إلى ﴿فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ﴾ وما بعده كلام الله (٢) .
ثمّ ﴿قالَ﴾ سليمان عليهالسلام في جوابه : ﴿سَنَنْظُرُ﴾ في ما أخبرتنا به ونفتّشه حتى نعلم ﴿أَ صَدَقْتَ﴾ في ما قلت ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ.﴾
روي أنّ سليمان لمّا سمع إشراك أهل سبأ غضب ، وقال ائتوني بدواة وقلم حتى أكتب كتابا أدعوهم إلى دين الحقّ ، فأتي بهما ، فكتب في المجلس أو بعده إلى بلقيس : من عبد الله سليمان بن داود إلى ملكة سبأ بلقيس. بسم الله الرحمن الرحيم ، السّلام على من اتّبع الهدى. أما بعد فلا تعلوا عليّ وائتوني مسلمين. ثمّ طبعه بالمسك وختمه بخاتمه المنقوش على فصّه اسم الله الأعظم ، وقال الهدهد : إنّك رسول أخلعك بخلعة ، فمسح يده على ريشه ، فظهرت فيه الألوان المختلفة ، ثمّ وضع إصبعه على رأسه فخرج منه تاج ، وإنّما خصّة بالرسالة من سائر رعيّته من الجنّ والطير ، لما رأى فيه من المعارف ، وقوّة الفراسة ، وبذل النّصح له ولملكه ، ورعايته جانب الحق ، فعلّق الكتاب إلى عنقه أو أعطاه بمنقاره وقال له: ﴿اذْهَبْ بِكِتابِي هذا﴾ إلى بلقيس ، وأهل سبأ ﴿فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ﴾ واطرحه لديهم ﴿ثُمَّ تَوَلَ﴾ وأعرض ﴿عَنْهُمْ﴾ وتباعد منهم إلى مكان لا يرونك وتسمع ما يقولون ﴿فَانْظُرْ﴾ وتعرّف ﴿ما ذا يَرْجِعُونَ﴾ واستمع ما يقول بعضهم لبعض بعد قراء كتابي (٣) .
روي أنّ الهدهد أخذ الكتاب وأتى بلقيس ، فوجدها راقدة في قصرها بمأرب ، وكانت إذا رقدت غلّقت الأبواب ووضعت المفاتيح تحت رأسها ، فدخل من كوّة وألقى الكتاب على نحرها وهي مستلقية ، وقيل : فنقرها وتأخّر يسيرا فانتبهت فزعة ، وكانت قارئة كاتبة عربية من نسل تبّع الحميري ، فلمّا رأت الخاتم ارتعدت وخضعت ، لأنّ ملك سليمان كان في خاتمه ، وعرفت أنّ الذي أرسل
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٣٤٠.
(٢) جوامع الجامع : ٣٣٦.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٣٤١.