يبطله (١) .
﴿فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ﴾ قيل : كان كلّ من الحبال والعصي سبعون ألفا (٢) ، ﴿وَقالُوا﴾ غرورا باتيانهم بأقصى ما يمكن من السحر نقسم ﴿بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ﴾ وعظمته ﴿إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ﴾ على موسى وهارون.
عن ابن عباس : قد كانت الحبال مطلية بالزّئبق والعصيّ مجوّفة مملوءة منه ، فلمّا ألقوها حميت بحرّ الشمس ، واشتدّت حركتها ، [ فصارت ] كأنّها حيّات تتحرّك من كلّ جانب من الأرض ، فهاب موسى عليهالسلام ذلك (٣) ، فأوحى الله إليه أن ألق ما في يمينك ﴿فَأَلْقى﴾ عند ذلك ﴿مُوسى عَصاهُ﴾ من يده باذن الله ﴿فَإِذا هِيَ﴾ ثعبان مبين ﴿تَلْقَفُ﴾ وتبلع بسرعة ﴿ما يَأْفِكُونَ﴾ وما يظهرون على خلاف الواقع ، وما يقلبونه بسحرهم عن صورته فيخيّلون في حبالهم وعصيّهم أنّها حيّات ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ﴾ على وجوههم ﴿ساجِدِينَ﴾ لله تعظيما له أثر ما رأوا من بلع العصا جميع آلاتهم ، لعلمهم بأنّه خارج عن حدّ السّحر ، وأنّه معجزة عظيمة ، وإنّما قال سبحانه ( ألقى ) تشبيها ، لعدم تمالكهم للخرور للسجود بإلقاء غيرهم إياهم و﴿قالُوا﴾ عن صدق وخلوص : ﴿آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ﴾ ثمّ لمّا كان فرعون مدّعيا لربوبية العالمين فسّروه بقولهم : ﴿رَبِّ مُوسى وَهارُونَ﴾ الذي أرسلهما بهذه المعجزة المعظّمة التي لا تشبه السّحر.
فلمّا رأى فرعون إيمان السّحرة بموسى الدالّ على صدقة ﴿قالَ﴾ للسحرة تلبيسا على أتباعه وإظهارا لبقائه على قدرته : يا قوم ﴿آمَنْتُمْ لَهُ.﴾ قيل : إنّ همزة الاستفهام التوبيخي محذوفة ، والمعنى أ آمنتم بموسى ﴿قَبْلَ أَنْ﴾ تستأذنوا منّي (٤) و﴿آذَنَ لَكُمْ﴾ في الايمان به مع أنّكم عبيدي ، وإنّما كانت هذه الجرأة عليّ والمسارعة في الايمان به لمواطاتكم معه و﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ﴾ واستاذكم ﴿الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ فواضعكم على إهلاكي وتغليبه عليّ وإذهاب سلطاني قبل أن تأتوني وتجيئوا إلى هذا الموضع ﴿فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ جزاء عملكم ، وعن قريب ترون وبال صنيعكم ، ثمّ بيّن جزاءهم تفصيلا بقوله : ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ﴾ من شقّ ﴿وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ﴾ شقّ ﴿خِلافٍ﴾ آخر جزاء على مخالفتي ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ بعد القطع.
قيل : إنّه أول من قطع من خلاف وصلب. وقيل : كلمة ( من ) للتعليل ، والمعنى لخلاف صار منكم (٥) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٤ : ١٣٤.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٢٧٣.
(٣) تفسير الرازي ٢٤ : ١٣٤.
(٤) تفسير روح البيان ٦ : ٢٧٤ ، و٣ : ٢١٤.
(٥) تفسير روح البيان ٦ : ٢٧٥.