وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ
إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٢)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان آداب الدخول في البيوت والورود على الأهل ، بيّن آداب الخروج من عند الرسول بقوله : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ الخالصون في الايمان الصادقون في تصديق الرسول هم ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ عن صميم القلب ﴿بِاللهِ وَرَسُولِهِ﴾ وأطاعوهما في جميع الأحكام واتّبعوا الرسول ﴿وَإِذا كانُوا مَعَهُ﴾ مجتمعين ﴿عَلى أَمْرٍ جامِعٍ﴾ وفي خطب مهمّ موجب لاجتماع المؤمنين عليه ، كالتشاور في أمر عظيم ، ومقاتلة الأعداء والجمعة والأعياد ﴿لَمْ يَذْهَبُوا﴾ من عنده ، ولم يخرجوا من محضره ﴿حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ ولم يتفرّقوا عنه حتى يستجيزوا منه ، ويأذن لهم ويخبرهم ، فانّ الاستئذان وأخذ الإذن منه صلىاللهعليهوآله مميّز المخلص من المنافق. ثمّ أكّد سبحانه ذلك بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ﴾ يا محمّد ، تعظيما لك ورعاية للأدب (١)﴿أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ﴾ حقا ، لا الذين لا يستأذنون لأنّهم عملوا بوظيفة الإيمان ، فاذا علمت أنّ المستأذنين هم المخلصون في الإيمان ﴿فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ﴾ في الخروج والانصراف من عندك ﴿لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ﴾ المهمّ وخطبهم العظيم الملمّ ﴿فَأْذَنْ﴾ أيّها الرسول ﴿لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ﴾ ورأيت الصلاح في الإذن له ، ولا اعتراض عليك ﴿وَاسْتَغْفِرْ﴾ بعد الإذن ﴿لَهُمُ اللهَ﴾ فانّ الاستئذان - وإن كان للأمر المهمّ - لا يخلو عن شائبة ترجيح أمر الدنيا على الآخرة ، كما استأذن عمر في غزوة تبوك رسول الله صلىاللهعليهوآله في الرجوع إلى أهله ، فأذن له (٢)﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ﴾ لفرطات العباد ﴿رَحِيمٌ﴾ بهم.
قيل : نسخت الآية بقوله : ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾(٣) وفيه ما لا يخفى من الضّعف.
قيل : كان النبي صلىاللهعليهوآله يعرض في خطبته بالمنافقين ويعيبهم ، فينظر المنافقون يمينا وشمالا ، فإذا راوا أنّ المسلمين لا يرونهم انسلّوا وخرجوا ولم يصلّوا ، وإن رأوا أنهم يرونهم ثبتوا وصلّوا خوفا فنزلت ، فكان بعد نزول الآية لا يخرج المؤمن لحاجة حتى يستأذن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكان المنافقون يخرجون بغير إذن (٤).
وقيل : نزلت في حفر الخندق (٥) . وكان المنافقون ينصرفون بغير أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكان الحفر من أهمّ الامور حتى حفر رسول الله صلىاللهعليهوآله بنفسه.
__________________
(١) في النسخة : الأدب.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ٣٩ ، تفسير روح البيان ٦ : ١٨٣.
(٣) تفسير الرازي ٢٤ : ٣٩ ، والآية من سورة التوبة : ٩ / ٤٣.
(٤) تفسير الرازي ٢٤ : ٣٩.
(٥) تفسير الرازي ٢٤ : ٤٠.