أبوابهم ، ويقولون [ لهم ] : قد أحللنا لكم أن تأكلوا ممّا في بيوتنا ، فكانوا يتحرّجون من ذلك ، وقالوا : لن ندخلها وهم غائبون ، فنزلت الآية رخصة لهم (١) .
وعن ابن عباس ، نزلت في الحارث بن عمرو ، وذلك أنّه خرج مع رسول الله صلىاللهعليهوآله غازيا ، وخلّف مالك (٢) بن زيد على أهله ، فلمّا رجع وجده مجهودا فسأله عن حاله ، فقال : تحرّجت أن آكل من طعامك بغير إذنك (٣) .
وعن الباقر عليهالسلام في هذه الآية. قال : « وذلك أنّ أهل المدينة قبل أن يسلموا كانوا يعتزلون (٤) الأعمى والأعرج والمريض ، وكانوا لا يأكلون معهم ، وكان الأنصار فيهم تيه (٥) وتكرّم (٦) ، فقالوا : إنّ الأعمى لا يبصر الطعام ، والأعرج لا يستطيع الزّحام على الطعام ، والمريض لا يأكل كما يأكل الصحيح ، فعزلوا لهم طعامهم على ناحية ، وكانوا يرون [ عليهم ] في مؤاكلتهم جناحا ، وكان الأعمى والأعرج والمريض يقولون : لعلّنا نؤذيهم إذا أكلنا معهم ، فاعتزلوا من مؤاكلتهم » الخبر (٧) .
ثمّ أباح سبحانه للناس الأكل من بيوت أزواجهم وأولادهم وأقاربهم بقوله : ﴿وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ﴾ حرج في ﴿أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ﴾ بيوت أزواجكم وأولادكم التي هي بمنزلة ﴿بُيُوتِكُمْ﴾ لشدّة الاتصال بينكم وبينهم ﴿أَوْ﴾ من ﴿بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ﴾ من ﴿بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ﴾ من ﴿بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ﴾ من ﴿بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ﴾ من ﴿بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ﴾ من ﴿بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ﴾ من ﴿بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ﴾ من ﴿بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ﴾ من ﴿ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ﴾ وتملّكتم التصرّف فيه باذن ربّه ﴿أَوْ﴾ من بيت ﴿صَدِيقِكُمْ.﴾
قيل : كان المؤمنون يذهبون بالضّعفاء وذوي العاهات إلى بيوت أزواجهم وأولادهم وقراباتهم وأصدقائهم ، فيطعمونهم منها ، فلمّا نزل قوله تعالى : ﴿لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً﴾(٨) فعند ذلك أمتنع الناس أن يأكل بعضهم من طعام بعض فنزلت (٩) .
وقيل : كانت الأنصار في أنفسهم قزازة (١٠) ، وكانوا لا يأكلون من هذه البيوت إذا استغنوا (١١).
وقيل : كان الرجل يدخل بيت أبيه ، أو بيت أخيه ، أو اخته ، فتتحفه المرأة بشيء من الطعام ، فيتحرّج
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٤ : ٣٥.
(٢) في تفسير الرازي : بن مالك.
(٣) تفسير الرازي ٢٤ : ٣٥.
(٤) في تفسير القمي : يعزلون.
(٥) التية : التكبر.
(٦) في تفسير القمي : تكرمة.
(٧) تفسير القمي ٢ : ١٠٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٤٨.
(٨) زاد في تفسير الرازي : أي بيعا ، والآية من سورة النساء : ٤ / ٢٩.
(٩) تفسير الرازي ٢٤ : ٣٥.
(١٠) التقزّز : التباعد عن المعايب والمعاصي ترفّعا وتنزّها.
(١١) تفسير الرازي ٢٤ : ٣٥.