ومن صفات تلك [ الشجرة ] أنّه ﴿يَكادُ زَيْتُها﴾ ودهن ثمرها ﴿يُضِيءُ﴾ بنفسه وينوّر ما حوله ﴿وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ﴾ ولم تصبه ﴿نارٌ﴾ لغاية صفائه وتلألئه ، فكيف إذا أصابته نار ، فذلك المصباح الموقد المنير غايته مع اجتماع نوره في المشكاة والكوّة ، وانضمام نوره بصفاء دهنه وتلألؤ زجاجته كان له ﴿نُورُ﴾ شديد مضاعف ﴿عَلى نُورٍ﴾ شديد بحيث بلغت شدّته غايتها.
وحاصل المعنى أنه بناء على كون المراد بالنور في قوله : ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ الهداية أو القرآن أنّ هداية الله تعالى أو حقّانية القرآن قد بلغت في الظهور والجلاء الى أقصى الغايات ، وصارت في الظهور بمنزلة المشكاة التي فيها زجاجة صافية متلألئة ، وفي الزجاجة مصباح متوقّد بزيت له نهاية الصفاء ، وإنّما شبّهها سبحانه بذلك ، مع أنّ التشبيه بضوء الشمس أبلغ ؛ لأنّ المقصود التشبيه بضوء كامل ظاهر بين الظلمات ، وليس ضوء الشمس كذلك ، لأنّه إذا ظهر امتلأ العالم ولا تبقى ظلمة فيه ﴿يَهْدِي اللهُ﴾ بهدايته الخاصة الموصلة ﴿لِنُورِهِ﴾ وشرعه وأحكامه ، أو إلى فهم ما في القرآن من دلائل حقانيته والعلوم والمعارف ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ هدايته من عباده ﴿وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ﴾ ويقرب المطالب العقلية العالية إلى الأفهام القاصرة بتصويرها بصورة المحسوسات لطفا بالعباد ﴿وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من المعقولات والمحسوسات ودقائقها وجلائلها ، وضرب الأمثال وغيرها ﴿عَلِيمٌ ،﴾ وأمّا بناء على كون المراد من النور نور الايمان ، فالمراد تشبيه صدر المؤمن بالمشكاة ، وقلبه بالزّجاجة الكائنة في المشكاة ، والإيمان بالمصباح المنير ، وحصوله من البرهان والعيان بتوقّد المصباح من دهن الزيتون الصافي.
عن الصادق عليهالسلام ، عن أبيه ، في هذه الآية : ﴿اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ قال : « بدأ بنور نفسه ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ يعني مثل هداه في قلب المؤمن ﴿كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ﴾ المشكاة جوف المؤمن ، والقنديل قلبه ، والمصباح النّور الذي جعله الله فيه (١)﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾ قال : الشجرة المؤمن ﴿لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ﴾ قال : على سواء الجبل ، لا شرقية أي لا شرق لها ، ولا غربية أي لا غرب لها ، إذا طلعت الشمس طلعت عليها ، وإذا غربت غربت عليها ﴿يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ﴾ يكاد [ النور ] الذي جعله الله في قلبه يضيء وإن لم يتكلّم ﴿نُورٌ عَلى نُورٍ﴾ فريضة بعد (٢) فريضة ، وسنّة بعد (٣) سنّة ﴿يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ﴾ قال : يهدي الله لفرائضه وسننه من يشاء ﴿وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ﴾ قال : فهذا مثل ضربه الله للمؤمن ، قال : فالمؤمن يتقلب في خمسة من النور : مدخله
__________________
(١) في تفسير القمي : الله في قلبه.
(٢و٣) في تفسير القمي : على.