﴿وَ﴾ انزلنا ﴿مَوْعِظَةً﴾ نافعة ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ والخائفين من الله ، وسوء العاقبة من الوعيد ، والتحذير عن المعاصي ، كي تتعظوا بها وتتزجروا عنها.
ثمّ لما بيّن سبحانه الأحكام والحدود التي بها ينتظم العالم ، وتتّسق امور عيش بني آدم ، وكان ذلك من شؤون مديريته للكلّ ، وصف ذاته المقدّسة بكمال التدبير وغاية الحكمة ، أو من شؤون كونه هاديا إلى الخيرات ودليلا منجيا من الظلمات بقوله : ﴿اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ ومدبّرهما بقدرته الكاملة وحكمته البالغة ، وسائق الموجودات إلى كمالها اللائق بها برحمته الواسعة ، أو ناظمها أحسن نظام ، أو منوّرهما بالشمس والقمر والكواكب ، أو مظهرهما ومخرجهما من كتم العدم إلى الوجود ، أو مزيّن السماوات بالكواكب ، والأرض بالعلماء ، أو هاد لأهل السماوات ولأهل الأرض ، كما عن ابن عباس وأكثر مفسري العامة (١) . وعن الرضا عليهالسلام أيضا (٢) .
وعن البرقي هدى من في السماوات ، وهدى من في الأرض (٣) .
ثمّ بيّن وضوح هدايته بقوله : ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ والحالة العجيبة لهدايته التي هي الآيات البيّنات الدالة على توحيده وكمال صفاته ، أو القرآن الذي هو نور ومظهر للصراط المستقيم ، أو الرسول الهادي إلى الدين القويم ، أو معارفه في قلوب المؤمنين كما عن ابن عباس (٤)﴿كَمِشْكاةٍ﴾ ومثل كوّة غير نافذة في الجدار موصوفة بأن (٥)﴿فِيها مِصْباحٌ﴾ وسراج ضخم مثير ثاقب يكون ذلك ﴿الْمِصْباحُ﴾ موضوعا ﴿فِي زُجاجَةٍ﴾ وقنديل صاف أزهر متلألئ ، تلك ﴿الزُّجاجَةُ﴾ بحيث تكون من غاية تلألوءها ﴿كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ﴾ مضيء متلأليء من الكواكب الدراري المشهورة كالمشتري والزّهرة والمرّيخ وعطارد وزحل و﴿يُوقَدُ﴾ ويشتعل ذلك المصباح بدهن ﴿مِنْ﴾ دهن ﴿شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ﴾ عظيمة النفع ، أو النابتة في الأرض المباركة ، تسمّى بشجرة ﴿زَيْتُونَةٍ﴾ التي دعا عليها سبعون نبيا منهم الخليل كما قيل (٦)﴿لا شَرْقِيَّةٍ﴾ تطلع عليها الشمس حين طلوعها دون غيرها ﴿وَلا غَرْبِيَّةٍ﴾ تقع عليها حين غروبها فقط ، بل تكون بين الجهتين كالشام ، فتكون ثمرتها في غاية النّضج ، وزيتها في غاية الصفاء ، لشروق الشمس عليها كلّ حين.
وقيل : يعني أنها لا توصف بالشرقية والغربية لأنّها من شجر الجنّة (٧) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٣ : ٢٢٤ ، تفسير أبي السعود ٦ : ١٧٥ ، تفسير روح البيان ٦ : ١٥٣.
(٢و٣) التوحيد : ١٥٥ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٥٣٨.
(٤) تفسير الرازي ٢٣ : ٢٣٣.
(٥) كذا ، والسياق يقتضي نصب كلمة ( مصباح ) وما بعدها ، إلّا أن تكون ( أن ) مخفّفة من الثقيلة مهملة.
(٦) مجمع البيان ٧ : ٢٢٥ ، تفسير الرازي ٢٣ : ٢٣٦ ، تفسير روح البيان ٦ : ١٥٥.
(٧) تفسير الرازي ٢٣ : ٢٣٦ ، تفسير روح البيان ٦ : ١٥٥.