الْفُلْكَ﴾ متلبّسا (١)﴿بِأَعْيُنِنا﴾ وحفظنا إيّاك من أن تخطىء في صنعها ، ومن أن يفسدها عليك مفسد ﴿وَوَحْيِنا﴾ إليك كيفيّة صنعها ، وتعليمنا إيّاك عملها وتسويتها. روي أنّه اوحي إليه أن يصنعها على مثال الجؤجؤ (٢) .
﴿فَإِذا جاءَ أَمْرُنا﴾ واقترب نزول عذابنا على القوم ﴿وَفارَ التَّنُّورُ﴾ واشتدّ غليان الماء منه ، قيل : كان تنّور آدم (٣) ، وكان من الحجارة. وعن ابن عباس : التّنّور وجه الأرض (٤) . وقيل : أعلى الأرض (٥) . وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : ﴿ وَفارَ التَّنُّورُ﴾ أي طلع الفجر » (٦) .
﴿فَاسْلُكْ﴾ في الفلك وأدخل ﴿فِيها﴾ حينئذ ﴿مِنْ كُلٍ﴾ من أنواع الحيوانات ﴿زَوْجَيْنِ﴾ وفردين مزدوجين ﴿اثْنَيْنِ﴾ الذّكر والانثى ، لئلّا ينقطع نسلها ﴿وَ﴾ أدخل فيها ﴿أَهْلَكَ﴾ وأقاربك من الزّوجة والأولاد والمؤمنين ﴿إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ وقضي عليه بالهلاك والعذاب ﴿مِنْهُمْ﴾ كزوجته واغلة ، وابنه كنعان على ما قيل (٧)﴿وَلا تُخاطِبْنِي﴾ ولا تكلّمني ﴿فِي﴾ نجاة الكفّار ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أنفسهم بالشّرك والطّغيان ولا تشفع لهم ﴿إِنَّهُمْ﴾ لا محالة ﴿مُغْرَقُونَ﴾ لعدم قابليّتهم (٨) لقبول الشّفاعة في حقّهم.
﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ﴾ وعلوت ﴿أَنْتَ﴾ يا نوح ﴿وَمَنْ مَعَكَ﴾ من أهلك وأشياعك ﴿عَلَى الْفُلْكِ﴾ وركبتهم فيها ﴿فَقُلِ﴾ شكرا لي وثناء على إنعامي ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ﴾ عشرة ﴿الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ فإنّ النجاة من عشرتهم وصحبتهم ومجاورتهم نعمة عظيمة على المؤمنين ﴿وَقُلْ﴾ حين الدّخول في السّفينة ، أو حين الخروج منها ، أو في الحالين : ﴿رَبِّ أَنْزِلْنِي﴾ في السّفينة ، أو في الأرض منها ﴿مُنْزَلاً مُبارَكاً﴾ وإنزالا مستتبعا لكلّ خير.
قيل : الإنزال المبارك هو الورود في منزل مأمون من الهواجس النّفسانيّة والوساوس الشّيطانيّة (٩) .
﴿وَأَنْتَ﴾ يا ربّ ﴿خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ﴾ فاستجاب الله دعاءه حيث قال : ﴿يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾(١٠) فبارك فيهم حيث جعل جميع من في الأرض من نسله ونسل من كان معه ، وإنّما خصّه الله بالأمر بالحمد والدّعاء لكونه إماما لمن معه ، فكان قوله قولهم مع ما فيه من الإشعار بنبوّته وعظمة الله وكبرياء ربوبيّته المقتضية لعدم خطابه إلّا إلى ملك مقرّب أو نبيّ مرسل ، وفي النّهي عن شفاعته في حقّ الكفّار والأمر بالحمد على النجاة منهم مبالغة في تقبيحهم
__________________
(١) في تفسير روح البيان ٦ : ٧٩ : ملتبسا.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٧٩.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٨٠.
(٤-٦) تفسير الرازي ٢٣ : ٩٤.
(٧) تفسير روح البيان ٦ : ٨٠ ، وفيه : وامه واغلة.
(٨) يريد عدم استحقاقهم.
(٩) تفسير روح البيان ٦ : ٨٠.
(١٠) هود : ١١ / ٤٨.