بعمله الدنيا والرئاسة ويستنكف من طاعة الأنبياء تكبّرا وخوفا من زوال رئاسته ، جعل طائره شؤما (١) سائقا له إلى أشدّ العذاب ﴿وَمَنْ أَرادَ﴾ بعمله ﴿الْآخِرَةَ﴾ وثوابها الدائم ﴿وَسَعى لَها﴾ في مدّة عمره ﴿سَعْيَها﴾ الائق بها ، واجتهد في الأعمال المفيدة فيها من أداء الواجبات الالهية وترك المحرّمات الاسلامية بنيّة التقرّب إلى الله ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ بالله ورسوله إيمانا لا شرك معه ولا تكذيب ﴿فَأُولئِكَ﴾ المؤمنون العاملون المخلصون ﴿كانَ سَعْيُهُمْ﴾ وجهدهم في طاعة الله ﴿مَشْكُوراً﴾ ومثابا عليه عند الله.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « من أراد الآخرة فليترك زينة الحياة الدنيا » (٢) .
﴿كُلًّا﴾ من الفريقين : المريدين للدنيا ، والمريدين للآخرة ﴿نُمِدُّ﴾ هم ونزيدهم من النّعم سواء ﴿هؤُلاءِ﴾ المعجّل لهم ﴿وَهَؤُلاءِ﴾ المشكورون سعيهم ، ونوسّع في أرزاقهم ونكثّر أموالهم وأولادهم بالقدر الذي يقتضيه الصلاح ، وإنّما يكون ذلك الامداد والزيادة ﴿مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ﴾ وفضله الذي لا تناهي له حسب ما اقتضته الحكمة البالغة ﴿وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ﴾ وتفضّله على عباده بالنعم الدنيوية والاخروية ﴿مَحْظُوراً﴾ وممنوعا عن أحد من قبله ، وإنما يمنع العصاة النّعم الاخروية عن أنفسهم بعصيانهم وسوء اختيارهم.
﴿انْظُرْ﴾ يا محمّد ، أو أيّها الناطر بنظر الاعتبار الى الفريقين ، إنّا ﴿كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ﴾ في الأمداد والعطايا الدنيوية ، فترى مؤّمنا موسرا ومؤمنا معسرا ، ومؤمنا مالكا ومؤمنا مملوكا ، وكذلك الكفّار ، فاذا كان مراتب التفاضل في متاع الدنيا وحظوظها بهذه الكثرة التي تكون فوق حدّ الإحصاء ، وتفاوت درجات الخلق فيه أكثر من أن تدرى ، فكيف بدرجات الآخرة ؟ ﴿وَ﴾ والله ﴿لَلْآخِرَةُ﴾ ونعمها وحظوظها ﴿أَكْبَرُ دَرَجاتٍ﴾ من الدنيا ﴿وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ وأعظم تفاوتا ، فانّ نسبة عظم درجاتها وكثرة تفاضلها وتفاوتها إلى درجات الدنيا والتفاضّل فيها ، كنسبة الدنيا والآخرة ، فمن كان راغبا في فضيلة الدنيا وعلوّ الدرجة فيها ، فلتكن رغبته في تحصيل فضيلة الآخرة وعلوّ الدرجة أزيد وأكثر.
روي أنّ ما بين أعلى درجات الجنّة وأسفلها مثل ما بين السماء والأرض (٣) .
وعن الصادق عليهالسلام : « لا تقولنّ الجنة واحدة ، إنّ الله يقول : ﴿وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ﴾(٤) ولا تقولن درجة واحدة ، إنّ الله يقول : ( درجات بعضها فوق بعض ) إنّما تفاضل القوم بالأعمال » .
قيل له : إنّ المؤمنين يدخلان الجنّة ، فيكون أحدهما أرفع مكانا من الآخر ، فيشتهي أن يلقى
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ١٧٨.
(٢) روضة الواعظين : ٤٣٤ ، تفسير الصافي ٣ : ١٨٣.
(٣) مجمع البيان ٦ : ٦٢٨ ، تفسير الصافي ٣ : ١٨٤.
(٤) الرحمن : ٥٥ / ٦٢.