في بطنها سنين ؟ فقال : « كذبوا ، أقصى حدّ الحمل تسعة أشهر لا يزيد لحظة ، ولو زاد ساعة لقتل امّه قبل أن يخرج » (١) .
﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ﴾ بعد ذلك من بطون امّهاتكم حال كونكم ﴿طِفْلاً﴾ ضعيفا لا تقومون باموركم ﴿ثُمَ﴾ سهّل في تربيتكم وأغذيتكم امورا ﴿لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ﴾ وكمالكم في القوّة والعقل والتمييز ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى﴾ ويقبض روحه قبل بلوغ الأشدّ أو بعده ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ﴾ يبقى حيّا و﴿يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ من الهرم والخرف.
عن الصادق عليهالسلام ، عن أبيه : « إذا بلغ العبد مائة سنة ، فذلك أرذل العمر » (٢) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « يعني خمسا وسبعين » (٣) . ﴿لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ﴾ كثير ﴿شَيْئاً﴾ من الأشياء ، أو من العلم ، لقلّة فهمه ، وسخافة عقله ، وغلبة النسيان عليه ، كحاله في أوان طفوليّته.
ثمّ استدلّ سبحانه على قدرته على البعث بقوله : ﴿وَتَرَى﴾ أيّها الرائي ﴿الْأَرْضَ﴾ أوّلا ﴿هامِدَةً﴾ ويابسة خالية من النبات ﴿فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ﴾ من السماء ﴿اهْتَزَّتْ﴾ وتحرّكت بالنبات كما يتحرّك الشابّ النّشيط وزيّنت بالأزهار ﴿وَرَبَتْ﴾ وانتفخت ونمت ﴿وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ﴾ ونوع من الزّرع وصنف من الغرس ﴿بَهِيجٍ﴾ وذي حسن ونضارة ﴿ذلِكَ﴾ الصّنع البديع من خلق الإنسان على أطوار مختلفة ، وإحياء الأرض بعد موتها كائن ﴿بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ﴾ والموجود الثابت لذاته الذي لا عجز له ولا فناء ﴿وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى﴾ كما أمات الأحياء ﴿وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من بدء الخلق وإعادته ﴿قَدِيرٌ﴾ وإلّا لما صدر منه تلك التعاجيب ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ﴾ والقيامة التي تجزى فيها العباد ﴿آتِيَةٌ﴾ لا محالة بمقتضى حكمته ووعده الذي لا خلف فيه ، و﴿لا رَيْبَ فِيها﴾ لوضوح دليلها ﴿وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ إلى المحشر ، فإنّه لو لا الساعة والبعث لما خلق الإنسان وما أحيا الأرض ، بل لما خلق العالم أصلا ، لكون خلقه عبثا.
والحاصل : أنّ خلق الإنسان وإحياء الأرض ، إنّما كان بسبب القدرة وظهور شؤون الالوهيّة وحقّيته في كمال صفاته ، وبسبب حكمته المقتضية لإتيان الساعة والبعث ، وحقّيته في أفعاله.
وقيل : إنّ قوله : ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ﴾ خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : الأمر أنّ الساعة آتية (٤) .
وقيل : إنّ الباء (٥) في قوله : ﴿بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ﴾ ليس للسببيّة ، بل متعلق بالفعل المحذوف(٦)،
__________________
(١) الكافي ٦ : ٥٢ / ٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٦٤.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٧٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٦٤.
(٣) مجمع البيان ٦ : ٥٧٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٦٤.
(٤) تفسير أبي السعود ٦ : ٩٦.
(٥) في النسخة : إن كلمة باء.
(٦) تفسير أبي السعود ٦ : ٩٦.