على ما نريد ، أو من عندنا وما يليق بشأننا من الرّوحانيات والمجرّدات ﴿إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ﴾ للّعب واللهو ، لا من الأجسام المرفوعة كالسماوات والأجرام الموضوعة كالأرضين مثل ديدن الجبابرة في رفع العروش وتحسينها وتسوية الفرش وتزيينها بغرض الالتذاذ والتشهّي ، ولكنّا لا نريد اللهو واللّعب أبدا لمنافاته الحكمة البالغة التي تكون لنا.
وقيل : إنّ المراد باللهو الولد أو الزّوجة (١) .
وقيل : ( إن ) في قوله : ﴿إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ﴾ نافية ، والمعنى ما كنّا فاعلين (٢) .
﴿بَلْ نَقْذِفُ﴾ ونرمي ﴿بِالْحَقِ﴾ الذي هو الجدّ والعدل والقرآن ، كالحجر الصّلب ﴿عَلَى الْباطِلِ﴾ الذي من جملته اللّعب والظّلم والكفر وغيرها ممّا ينافي الحكمة ، ولا ثبات له عند التحقيق ﴿فَيَدْمَغُهُ﴾ ويهلكه ويمحقه ﴿فَإِذا هُوَ زاهِقٌ﴾ وذاهب بالكلّية ، وهالك بالفور ، وإنّما استعار القذف الذي هو بمعنى الرمي الشديد البعيد المستلزم لصلابة المرميّ وإعدام ما وصل إليه ومحوه ، لتغليب الحقّ على الباطل ، واستعارة الدّمغ الذي هو بمعنى كسر الدماغ بحيث يشقّ غشاؤه (٣) المؤدّي إلى زهوق الروح ، لمحق (٤) الباطل ، لغاية المبالغة وتمكين الهيئة المعقولة في ذهن السامع غاية التمكين.
عن الصادق عليهالسلام : « ليس من باطل يقوم بإزاء حقّ إلّا غلب الحقّ الباطل ، وذلك قوله تعالى : ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِ﴾ الآية » (٥) .
ثمّ هدّد قريشا بمثل ما لاولئك من العذاب بقوله : ﴿وَلَكُمُ﴾ معشر قريش ﴿الْوَيْلُ﴾ والهلاك ( من ) أجل ما ﴿تَصِفُونَ﴾ الله بما لا يليق بشأنه من اتخاذ الشريك والولد ، ثمّ قرّر تفرّده منهما بقوله : ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ خلقا وملكا وتصرّفا وتدبيرا ، بلا دخل لغيره في شيء منها استقلالا واستتباعا ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ﴾ من الملائكة الّذين يزعمون أنّهم شركاؤه أو بناته ، مع كمال شرفهم وعظمهم وقربهم وعلوّ رتبتهم ، كلّهم عبيده ﴿لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ﴾ ولا يتعظّمون عن طاعته ﴿وَلا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ ولا يعيون عنها مع ثقلها ودوامها ، وكانت عبادتهم أنّهم ﴿يُسَبِّحُونَ﴾ وينزّهون الله ﴿اللَّيْلَ وَالنَّهارَ﴾ ممّا لا يليق به من الشريك والولد والنقص والحاجة ويعظّمونه على الدوام و﴿لا يَفْتُرُونَ﴾ ولا يتوانون فيه طرفة عين ، ولا يتخلّل تسبيحهم فراغ ولا شغل آخر.
قيل : إنّ التسبيح لهم كالتنفّس [ لنا ] فلا يمنعهم من عمل آخر ، وإن كان لعن من استحقّ اللّعن (٦) .
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٦ : ٦٠ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٦٠.
(٢) تفسير أبي السعود ٦ : ٥٩.
(٣) في النسخة : عصائه ، راجع : تفسير روح البيان ٥ : ٤٦١.
(٤) في النسخة : تحق.
(٥) المحاسن : ٢٢٦ / ١٥٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٣٣.
(٦) تفسير روح البيان ٥ : ٤٦٢.