رحمته ، وخفتت لهيبته ﴿فَلا تَسْمَعُ﴾ أصواتهم ﴿إِلَّا هَمْساً﴾ وخفيّا.
قيل : لا يسمع إلّا صوت أقدامهم (١) .
وعن بعض العامة : ينفخ في الصور النفخة الاولى ، فتتطاير الجبال ، وتتفجّر الأنهار بعضها في بعض ، فيمتلئ الهواء ماء ، وتنثر الكواكب ، وتتغيّر الأرض والسماء ، ويموت العالمون ، فتخلو الأرض والسماء ، ثمّ يكشف سبحانه عن بيت في سقر ، فيخرج لهب من النار فيشتعل في البحور فتنشف ، ويدع الأرض حمأة (٢) سوداء ، والسماوات كأنّها عكر (٣) الزيت والنحاس المذاب.
ثمّ يفتح الله تعالى خزانة من خزائن العرش فيها بحر الحياة ، فيمطر به الأرض ، وهو كمنيّ الرجال ، فتنبت الأجسام على هيئتها ، الصبيّ صبيّ والشيخ شيخ وما بينهما ، ثمّ تهبّ من تحت العرش ريح لطيفة ، فتبرز الأرض ليس فيها جبل ولا عوج ولا أمت ، ثمّ يحيي الله إسرافيل ، فينفخ من صخرة بيت المقدس ، فتخرج الأرواح من ثقب في الصّور بعددها ، ويحلّ كلّ روح في جسده حتّى الوحش والطير ، فإذا هم بالسّاهرة ، أي بوجه الأرض بعد أن كانوا في بطنها (٤) .
وعن الباقر عليهالسلام : « إذا كان يوم القيامة جمع الله عزوجل الناس في صعيد واحد حفاة عراة ، فيوقفون في المحشر حتى يعرقوا عرقا شديدا وتشتدّ أنفاسهم ، فيمكثون في ذلك مقدار خمسين عاما ، وهو قول الله تعالى : ﴿وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً﴾ ثمّ ينادي مناد من تلقاء العرش : أين النبيّ الامّي ؟ فيقول الناس : سمّ باسمه ، فينادي أين نبيّ الرحمة ؟ أين محمّد بن عبد الله الامّي؟
فيتقدم رسول الله صلىاللهعليهوآله أمام الناس كلّهم حتى ينتهي إلى حوض طوله ما بين أيله وصنعاء ، فيقف عليه فينادي بصاحبكم ، فيتقدم عليّ عليهالسلام أمام الناس فيقف معه ، ثمّ يؤذن للناس فيمرّون فبين وارد على الحوض وبين مصروف عنه.
فإذا رأى رسول الله صلىاللهعليهوآله من يصرف عنه من محبّينا بكى فيقول : يا رب شيعة عليّ أراهم صرفوا تلقاء أصحاب النار ، ومنعوا عن ورود الحوض ! فيبعث الله إليه ملكا فيقول له : ما يبكيك يا محمّد ؟ فيقول : لاناس من شيعة علي ، فيقول الملك : إنّ الله يقول : يا محمّد ، إنّ شيعة عليّ قد وهبتهم لك ، وصفحت عن ذنوبهم لحبّهم لك ولعترتك ، وألحقتهم بك ، وجعلتم في زمرتك فأوردهم حوضك » .
ثمّ قال أبو جعفر عليهالسلام : « فكم من باك يومئذ وباكيّة ينادون : يا محمّد [ اه ] إذا رأوا ذلك » الخبر (٥) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ١١٨ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٢٨.
(٢) الحمأ : الطين الأسود المنتن.
(٣) العكر : الراسب من كل شيء.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٤٢٨.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٦٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٢٠.