أَحَداً (١٠٩) و (١١٠)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه في السورة المباركة دلائل التوحيد والرسالة والأمثال العالية والمواعظ الشافية وقصص الأوّلين ، نبّه على كمال القرآن وفضله بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، لقومك ﴿لَوْ كانَ الْبَحْرُ﴾ الذي في الدنيا وماؤه ﴿مِداداً﴾ وحبرا ﴿لِكَلِماتِ﴾ علم ﴿رَبِّي﴾ وحكمته ، والله ﴿لَنَفِدَ الْبَحْرُ﴾ وفني ماؤه بحيث لم يبق منه ﴿قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي﴾ وتفنى معلوماته وحكمه ﴿وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ﴾ وخلقنا ضعفه كي يكون البحر الموجود في العالم ﴿مَدَداً﴾ ومعونة لنفد أيضا ، ولا تنفد الكلمات ، لأنّ كلّما وجد ويوجد من البحر يكون محدودا ومتناه ، وهنا علم الله تعالى غير محدود ولا متناه.
قيل : نزلت حين قال حيي بن أخطب : في كتابكم ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾(١) ثمّ تقرأون ﴿وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً﴾(٢) [ فنزلت هذه الآية ] ، والمراد : وما اوتيتم وإن كان كثيرا ولكنّه قطرة من بحار كلمات الله (٣) .
ثمّ لمّا بيّن سبحانه كمال كلامه الموحى إلى نبيّه صلىاللهعليهوآله ، أمره بالتّواضع والإعلان بأنّ كلّما علمه إنّما هو بفضل الله ووحيه بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، لقومك ﴿إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ أحتاج إلى ما تحتاجون إليه ، وأتضرّر بما تضرّرون به ، لا ميز بيني وبينكم في لوازم الجسمانية ، وإنّما الميز في الكلمات الروحانية والفضائل المعنوية التي أهّلتني لأن ﴿يُوحى إِلَيَ﴾ من قبل ربّي العلوم الكثيرة والمعارف الوفيرة التي أهمّها ﴿أَنَّما إِلهُكُمْ﴾ ومعبودكم ﴿إِلهٌ﴾ ومعبود ﴿واحِدٌ﴾ يستحقّ العبادة ، ولا يأهل غيره لها.
عن العسكري عليهالسلام قال : « يعني قل لهم أنّا في البشريّة مثلكم ، ولكن ربّي خصّني بالنبوة دونكم ، كما يخصّ بعض البشر بالغنى والجمال دون بعض من البشر ، فلا تنكروا أن يخصّني أيضا بالنبوّة » (٤).
﴿فَمَنْ كانَ﴾ يؤمن بالله ورسوله و﴿يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ﴾ وثوابه وكرامته ﴿فَلْيَعْمَلْ﴾ لذلك المطلوب ﴿عَمَلاً صالِحاً﴾ ومرضيّا عند الله ، وليعبده عبادة خالصة من الشرك الجليّ والخفيّ والأغراض النفسانية ﴿وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ من خلقه.
عن الباقر عليهالسلام : « سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله عن تفسير هذه الآية فقال : من صلّى مراءاة النّاس فهو مشرك ، ومن زكّى مراءاة النّاس فهو مشرك ، ومن صام مراءاة النّاس فهو مشرك ، ومن حجّ مراءاة النّاس فهو
__________________
(١) البقرة : ٢ / ٢٦٩.
(٢) الاسراء : ١٧ / ٨٥.
(٣) تفسير الرازي ٢١ : ١٧٦.
(٤) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٥٠٤ ، الإحتجاج : ٣١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٦٩.