صحف من رصاص » (١) .
وروي أنّ أصحاب الرّقيم كانوا ثلاثة نفر غير أصحاب الكهف ، خرجوا من بلدهم لحاجة فأخذهم المطر ، فالتجأوا إلى غار ، فلمّا دخلوا فيه سقط حجر عظيم من الجبل ، فسّد باب الغار بحيث لم يمكنهم الخروج منه ، فيأسوا من الحياة ، فتضرّعوا إلى الله ، فتوسّل كلّ منهم إلى عمل خالص لله صدر منه ، فشفّعوه عند الله فنجّاهم الله به (٢) .
وعلى أيّ تقدير ﴿كانُوا مِنْ آياتِنا﴾ أمرا ﴿عَجَباً﴾ لا تحسب ذلك ، فإنّ واقعتهم في جنب عجائب آياتنا - من خلق السماوات والأرض وتزيينها بالمعادن والنباتات والحيوانات - لا عجب فيها.
القمي : يقول قد آتيناك من الآيات ما هو أعجب [ منه ](٣) .
قيل : إنّ أهل مكّة تعجبوا من قصة أصحاب الكهف فسألوا عنها رسول الله صلىاللهعليهوآله امتحانا ، فنزلت (٤) .
وقيل : إنّ النّضر بن الحارث كان من شياطين قريش ، وكان يؤذي رسول الله صلىاللهعليهوآله وينصب له العداوة ، وكان قد قدم الحيرة وتعلّم بها أحاديث رستم وإسفنديار ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا جلس مجلسا ذكر فيه الله وحدّث قومه ما أصاب من كان قبلهم من الأمم ، وكان النّضر يخلفه في مجلسه إذا قام ، فقال : أنا والله - يا معشر قريش - أحسن حديثا منه ، فهلمّوا فأنا احدّثكم بأحسن من حديثه ؛ ثمّ يحدّثهم عن ملوك فارس.
ثمّ أنّ قريشا بعثوه وبعثوا معه عتبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة ، وقالوا لهما : سلوهم عن محمّد وصفته ، فأخبروهم بقوله ، فإنّهم من أهل الكتاب الأول ، وعندهم [ من ] العلم ما ليس عندنا من علم الأنبياء ، فخرجا حتى قدما إلى المدينة ، فسألوا أحبار اليهود عن أحوال محمّد صلىاللهعليهوآله ، فقال أحبار اليهود : سلوه عن ثلاث : عن فتية ذهبوا في الدّهر الأوّل ، ما كان من أمرهم ؟ فإنّ حديثهم عجيب. وعن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح ما هو ؟ فإن أخبركم فهو نبيّ ، وإلّا فهو متقوّل.
فلمّا قدم النّضر وصاحبه مكّة قالا : قد جئناكم بفصل ما بيننا وبين محمّد ، وأخبروا بما قاله اليهود ، فجاءوا رسول الله صلىاللهعليهوآله وسألوه. فقال رسول الله : « أخبركم بما شئتم غدا » ولم يستثن (٥) ، فانصرفوا. ومكث رسول الله صلىاللهعليهوآله فيما يذكرون خمس عشرة ليلة حتى أرجف أهل مكّة به وقالوا : وعدنا محمّد
__________________
(١) تفسير العياشي ٣ : ٨٨ / ٢٦٢٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٢.
(٢) مجمع البيان ٦ : ٦٩٧.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٣١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣١.
(٤) تفسير الرازي ٢١ : ٨١.
(٥) أي لم يقل : إن شاء الله تعالى.