تظليل الغمام إنما كان لاحتياجهم إليه من شدة الحر.
وقد ذكرنا فى الدلائل حين سئل النبي صلىاللهعليهوسلم أن يدعو لهم ليسقوا لما هم عليه من الجوع والجهد والقحط ، فرفع يديه وقال : اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا ، قال أنس : ولا والله ما نرى فى السماء من سحاب ولا قزعة (١) ، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار ، فأنشأت من ورائه سحابة مثل الترس ، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت ، قال أنس : فلا والله ما رأينا الشمس سبتنا ، ولما سألوه أن يستصحى لهم رفع يده وقال : اللهم حوالينا ولا علينا ، فما جعل يشير بيديه إلى ناحية إلا انحاز السحاب إليها حتى صارت المدينة مثل إلا كليل يمطر ما حولها ولا تمطر ، فهذا تظليل عام محتاج إليه ، آكد من الحاجة الى ذلك ، وهو أنفع منه والتصرف فيه وهو يشير أبلغ فى المعجز وأظهر فى الاعتناء والله أعلم.
وأما إنزال المن والسلوى عليهم فقد كثر رسول الله صلىاللهعليهوسلم الطعام والشراب فى غير ما موطن كما تقدم بيانه فى دلائل النبوة من إطعام الجم الغفير من الشيء اليسير ، كما أطعم يوم الخندق من شويهة جابر بن عبد الله وصاعة الشعير ، أزيد من ألف نفس جائعة صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ، وأطعم من حفنة قوما من الناس وكانت تمد من السماء إلى غير ذلك من هذا القبيل مما يطول ذكره.
وقد ذكر أبو نعيم وابن حامد أيضا هاهنا أن المراد بالمن والسلوى أنما هو رزق رزقوه من غير كد منهم ولا تعب ، ثم أورد فى مقابلته حديث تحليل المغنم ولا يحل لأحد قبلنا ، وحديث جابر فى سيرة إلى عبيدة وجوعهم حتى أكلوا الخبط فحسر البحر لهم عن دابة تسمى العنبر فأكلوا منها ثلاثين من يوم
__________________
(١) القزعة : القطعة من السحاب المتفرق.