ركب السفينة ، وكان ذلك فضيلة أوتيها ، إذ أجيبت دعوته ، وشفى صدره بإهلاك قومه ، قلنا : وقد أوتى محمد صلىاللهعليهوسلم مثله حين ناله من قريش ما ناله من التكذيب والاستخفاف ، فأنزل الله إليه ملك الجبال وأمره بطاعته فيما يأمره به من إهلاك قومه ، فاختار الصبر على أذيتهم ، والابتهال فى الدعاء لهم بالهداية ، قلت : وهذا أحسن.
وقد تقدم الحديث بذلك عن عائشة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فى قصة ذهابه إلى الطائف ، فدعاهم فآذوه فرجع وهو مهموم ، فلما كان عند قرن الثعالب ناداه ملك الجبال فقال : يا محمد إن ربك قد سمع قول قومك وما ردوا عليك ، وقد أرسلنى إليك لأفعل ما تأمرنى به ، فإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين ـ يعنى جبلى مكة اللذين يكتنفانها جنوبا وشمالا ، أبو قبيس وزر ، فقال : بل استأنى بهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك بالله شيئا.
وقد ذكر الحافظ أبو نعيم فى مقابلة قوله تعالى : (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢)) (١) أحاديث الاستسقاء عن أنس وغيره.
كما تقدم ذكرنا لذلك فى دلائل النبوة قريبا أنه صلىاللهعليهوسلم سأله ذلك الأعرابى أن يدعوا الله لهم ، لما بهم من الجدب والجوع ، فرفع يديه فقال : اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا ، فما نزل عن المنبر حتى رؤى المطر يتحادر على لحيته الكريمة صلىاللهعليهوسلم ، فاستحضر من استحضر من الصحابة رضى الله عنهم قول عمه أبى طالب فيه :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه |
|
ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
__________________
(١) سورة القمر ، الآيات : ١٠ ، ١٢.