ظهر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو ساجد عند الكعبة سلا تلك الجزور ، واستضحاكهم من ذلك ، حتى أن بعضهم يميل على بعض من شدة الضحك ، ولم يزل على ظهره حتى جاءت ابنته فاطمة عليهاالسلام فطرحته عن ظهره ، ثم أقبلت عليهم تسبهم ، فلما سار رسول الله صلىاللهعليهوسلم من صلاته رفع يديه فقال : اللهم عليك بالملإ من قريش ، ثم سمى فقال : اللهم عليك بأبى جهل وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبى معيط وعمارة بن الوليد ، قال عبد الله بن مسعود : فو الّذي بعثه بالحق لقد رأيتهم صرعى يوم بدر ، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر ، وكذلك لما أقبلت قريش يوم بدر فى عددها وعديدها ، فحين عاينهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال رافعا يديه : اللهم هذه قريش جاءتك بفخرها وخيلائها ، تجادل وتكذب رسولك ، اللهم أصبهم الغداة ، فقتل من سراتهم سبعون وأسر من أشرافهم سبعون ، ولو شاء الله لاستأصلهم عن آخرهم ، ولكن من حلم وشرف نبيه أبقى منهم من سبق فى قدره أن سيؤمن به وبرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد دعا على عتبة بن أبى لهب أن يسلط عليه كلبه بالشام ، فقتله الأسد عند وادى الزرقاء قبل مدينة بصرى ، وكم له من مثلها ونظيرها ، كسبع يوسف فقحطوا حتى أكلوا العكبر ، وهو الدم بالوتر ، وأكلوا العظام وكل شيء ، ثم توصلوا إلى تراحمه وشفقته ورأفته ، فدعا لهم ، ففرج الله عنهم وسقوا الغيث ببركة دعائه.
وقال الإمام الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد فى كتاب دلائل النبوة ـ وهو كتاب حافل ـ : ذكر ما أوتى نوح عليهالسلام من الفضائل ، وبيان ما أوتى محمد صلىاللهعليهوسلم مما يضاهى فضائله ويزيد عليها ، إن قوم نوح لما بلغوا من أذيته والاستخفاف به ، وترك الإيمان بما جاءهم به من عند الله دعا عليهم فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦)) (١) فاستجاب الله دعوته ، وغرق قومه ، حتى لم يسلم شيء من الحيوانات والدواب إلا من
__________________
(١) سورة نوح ، الآية : ٢٦.