آخر عمره ـ وذلك فى السنة التاسعة والثلاثين من سنى التيه ـ وذكرهم بأيام الله وأياديه عليهم ، وإحسانه إليهم ، وقال لهم. فيما قال : واعلموا أن الله سيبعث لكم نبيا من أقاربكم مثل ما أرسلنى إليكم ، يأمركم بالمعروف ، وينهاكم عن المنكر ، ويحل لكم الطيبات ، ويحرم عليكم الخبائث ، فمن عصاه فله الخزى فى الدنيا ، والعذاب فى الآخرة ، وأيضا فى آخر السفر الخامس وهو آخر التوراة التى بأيديهم : جاء الله من طور سيناء ، وأشرق من ساعير ، واستعلن من جبال فاران : وظهر من ربوات قدسه ، عن يمينه نور ، وعن شماله نار ، عليه تجتمع الشعوب. أى جاء أمر الله وشرعه من طور سيناء ـ وهو الجبل الّذي كلم الله موسىعليهالسلام عنده ـ وأشرق من ساعير وهى جبال بيت المقدس ـ المحلة التى كان بها عيسى بن مريم عليهالسلام ـ واستعلن أى ظهر وعلا أمره من جبال فاران ، وهى جبال الحجاز بلا خلاف ، ولم يكن ذلك إلا على لسان محمد صلىاللهعليهوسلم ، فذكر تعالى هذه الأماكن الثلاثة على الترتيب الوقوعى ، ذكر محلة موسى ، ثم عيسى ، ثم بلد محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولما أقسم تعالى بهذه الأماكن الثلاثة ذكر الفاضل أولا ، ثم الأفضل منه ، ثم الأفضل منه ، على قاعدة القسم فقال تعالى : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١)) (١) والمراد بها محلة بيت المقدس حيث كان عيسى عليهالسلام (وَطُورِ سِينِينَ (٢)) (٢) وهو الجبل الّذي كلم الله عليه موسى (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣)) (٣) وهو البلد الّذي ابتعث منه محمدا صلىاللهعليهوسلم ، قاله غير واحد من المفسرين فى تفسيره هذه الآيات الكريمات. وفى زبور داود عليهالسلام صفة هذه الأمة بالجهاد والعبادة ، وفيه مثل ضربه لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، بأنه ختام القبة المبنية.
كما ورد به الحديث فى الصحيحين : «مثلى ومثل الأنبياء قبلى كمثل
__________________
(١) سورة التين ، الآية : ١.
(٢) سورة التين ، الآية : ٢.
(٣) سورة التين ، الآية : ٣.