أحدهما : أن تجعلها عاطفة حالا على مثلها ، فهي عاطفة ، وليست بواو حال ، وإن كان خلو الجملة الاسميّة الواقعة حالا من الواو قليلا أو ممتنعا على رأي ، وممن صرح بأنها عاطفة : أبو البقاء.
والثاني : أنها واو الحال ، وعلى هذا فيقال : كيف يقتضي العامل حالين؟.
فالجواب : أنه جاز ذلك ؛ لأن الثانية بدل من الأولى ، فإن أريد بالسجود التّذلل والخضوع ، فهو بدل كل من كل ، وإن أريد به [حقيقته](١) ، فهو بدل اشتمال ، إذ السجود مشتمل على الدخور.
ونظير ما نحن فيه : «جاء زيد ضاحكا وهو شاك» فقولك : «وهو شاك» يحتمل الحاليّة من «زيد» أو ضمير «ضاحكا» ، والدّخور : التواضع ؛ قال الشاعر : [الطويل]
٣٣١٨ ـ فلم يبق إلّا داخر في مخيّس |
|
ومنجحر في غير أرضك في جحر (٢) |
وقيل : هو القهر والغلبة ، ومعنى «داخرون» أذلّاء صاغرين.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) الآية قد تقدم أن السجود على نوعين :
سجود كسجود الصلاة بوضع الجبهة على الأرض ، وسجود هو انقياد وخضوع ؛ فلهذا قال بعضهم : المراد بالسجود ههنا : الانقياد والخضوع ؛ لأنه اللائق بالدابة.
وقيل : السجود حقيقة ؛ لأنه اللائق بالملائكة عليهم الصلاة والسلام.
وقيل : السجود لفظ مشترك بين المعنيين ، وحمل اللفظ المشترك [على إفادة مجموع معنيين جائز ، فيحمل لفظ السجود ههنا على المعنيين معا ، أما في حق الدابة فبمعنى التواضع ، وأما في حق الملائكة فبمعنى السجود الحقيقي ؛ وهذا ضعيف ؛ لأن استعمال اللفظ المشترك](٣) في جميع مفهوماته معا غير جائز.
قوله تعالى : (مِنْ دابَّةٍ) يجوز أن يكون بيانا ل (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ويكون لله تعالى في سمائه خلق ؛ يدبون كما يدبّ الخلق الذي في الأرض ، ويجوز أن يكون بيانا ل (ما فِي الْأَرْضِ) فقط.
قال الزمخشريّ : «فإن قلت : هلّا جيء ب «من» دون «ما» تغليبا للعقلاء على غيرهم؟.
__________________
(١) في ب : التواضع.
(٢) روي البيت بلفظ (مجلس) مكان (مخيس) ، وهو لذي الرمة. ينظر : الديوان ٣٦٤ ، اللسان والصحاح والتاج (خيس) ونسبوه للفرزدق وليس في ديوانه ، الطبري ١٤ / ١١٦ ، البحر المحيط ٥ / ٤٧٣ ، الدر المصون ٤ / ٣٣٢.
(٣) سقط من : ب.