٣٣١٦ ـ .......... |
|
ترى الأكم فيها سجّدا للحوافر (١) |
فالمراد بهذا السجود التواضع.
واعلم أن انتقاص الظلّ بعد كماله إلى غاية محدودة ثمّ ازدياده بعد غاية نقصانه ، وتنقله من جهة إلى أخرى على وفق تدبير الله ، وتقديره بحسب الاختلافات اليوميّة الواقعة في شرق الأرض ، وغربها ، وبحسب الاختلافات الواقعة في طول السنة على وجه مخصوص ، وترتيب معيّن لا يكون إلا لكونها منقادة لله تعالى خاضعة لتقديره وتدبيره ؛ فكان السجود عبارة عن تلك الحال.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : اختلاف هذه الظلال معلّل باختلاف سير الشمس لا لأجل تقدير الله؟.
فالجواب : أنّا وإن سلمنا ذلك ، فمحرك الشمس بالحركة الخاصّة ليس إلّا الله ـ تعالى ـ فدل على أنّ اختلاف أحوال هذه الظلال لم يقع إلا بتدبير الله تعالى ، وقيل : هذا سجود حقيقة ؛ لأن هذه الظلال واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة الساجد ، قال أبو العلاء المعرّي ، في صفة واد : [الطويل]
٣٣١٧ ـ بخرق يطيل الجنح فيه سجوده |
|
وللأرض زيّ الرّاهب المتعبّد (٢) |
فلمّا كان شكل الأظلال يشبه شكل الساجدين ، أطلق عليه السجود ، وكان الحسن يقول: أما ظلّك ، فسجد لربّك ، وأما أنت ، فلا تسجد له ؛ بئسما صنعت.
وعن مجاهد : ظلّ الكافر يصلّي ، وهو لا يصلّي (٣) ، وقيل : ظلّ كلّ شيء يسجد لله ، سواء كان ذلك ساجدا لله ، أم لا.
قوله : (وَهُمْ داخِرُونَ) في هذه الجملة ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها حال من الهاء في «ظلاله». قال الزمخشريّ : «لأنه في معنى الجمع ، وهو ما خلق الله من كلّ شيء له ظل ، وجمع بالواو والنون ؛ لأنّ الدّخور من أوصاف العقلاء ، أو لأنّ في جملة ذلك من يعقل فغلب».
وقد ردّ أبو حيّان هذا بأن الجمهور لا يجيزون مجيء الحال من المضاف إليه ، وهو نظير جاءني غلام هند ضاحكة ، قال : «ومن أجاز مجيئها منه إذا كان المضاف جزءا ، أو كالجزء جوز الحالية منه هنا ؛ لأنّ الظل كالجزء ؛ إذ هو ناشيء عنه».
الثاني : أنها حال من الضمير المستتر في «سجّدا» فهي حال متداخلة.
الثالث : أنها حال من «ظلاله» فينتصب عنه حالان ، ثم لك في هذه الواو اعتباران :
__________________
(١) تقدم برقم : ٣٧٨.
(٢) ينظر : سقط الزند ٩٢ ، الرازي ٢٠ / ٤٤.
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ٣٦.