بين الحقّين ، فالحق الأول التوحيد ، والثاني الوعد والوعيد ، والأمر والنهي ، وقال الزمخشري : «وما أنزلنا القرآن إلّا بالحكمة المقتضية لإنزاله ، وما نزل إلا ملتبسا بالحق والحكمة ؛ لاشتماله على الهداية إلى كلّ خير ، أو ما أنزلناه من السّماء إلا بالحقّ محفوظا بالرّصد من الملائكة ، وما نزل على الرسول إلّا محفوظا بهم من تخليط الشّياطين» ، و (مُبَشِّراً وَنَذِيراً) : حالان من مفعول «أرسلناك» مبشرا للمطيعين ، ونذيرا للعاصين ، فإن قبلوا الدّين الحقّ ، انتفعوا به ، وإلا فليس عليك من كفرهم [شيء](١).
قوله تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) الآية : في نصب «قرآنا» أوجه :
أظهرها : أنه منصوب بفعل مقدر ، أي : «وآتيناك قرآنا» يدل عليه قوله (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى).
الثاني : أنه منصوب ؛ عطفا على الكاف في «أرسلناك» ؛ قال ابن عطية : «من حيث كان إرسال هذا ، وإنزال هذا بمعنى واحد».
الثالث : أنه منصوب ؛ عطفا على (مُبَشِّراً وَنَذِيراً) قال الفراء (٢) : «هو منصوب ب «أرسلناك» ، أي : ما أرسلناك إلا مبشّرا ونذيرا وقرآنا ؛ كما تقول : ورحمة يعني : لأن القرآن رحمة» ، بمعنى أنه جعل نفس القرآن مرادا به الرحمة ؛ مبالغة ، ولو ادّعى ذلك على حذف مضاف ، كان أقرب ، أي : «وذا قرآن» وهذان الوجهان متكلّفان.
الرابع : أن ينتصب على الاشتغال ، أي : وفرقنا قرآنا فرقناه ، واعتذر أبو حيان عن ذلك ، أي : عن كونه لا يصحّ الابتداء به ، لو جعلناه مبتدأ ؛ لعدم مسوغ ؛ لأنه لا يجوز الاشتغال إلا حيث يجوز في ذلك الاسم الابتداء ، بأنّ ثمّ صفة محذوفة ، تقديره : وقرآنا أي قرآن ، بمعنى عظيم ، و«فرقناه» على هذا : لا محل له ؛ بخلاف الأوجه المتقدمة ؛ فإن محلّه النصب ؛ لأنّه نعت ل «قرآنا».
وقرأ العامة «فرقناه» بالتخفيف ، أي : بيّنا حلاله وحرامه ، أو فرقنا فيه بين الحق والباطل ، وقرأ (٣) عليّ بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ وأبيّ ، وعبد الله ، وابن عباس والشعبي ، وقتادة ، وحميد في آخرين بالتشديد ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنّ التضعيف فيه للتكثير ، أي : فرّقنا آياته بين أمر ونهي ، وحكم وأحكام ، ومواعظ وأمثال ، وقصص وأخبار ماضية ومستقبلة.
والثاني : أنه دالّ على التفريق والتنجيم.
قال الزمخشريّ : «وعن ابن عباس : أنه قرأ مشددا ، وقال : لم ينزل في يومين ، ولا
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٣٢.
(٣) ينظر : المحتسب ٢ / ٢٣ ، والقرطبي ١٠ / ٢١٩ ، والبحر ٦ / ٨٤ ، والدر المصون ٤ / ٥٢٧.