والغاسق في قوله : (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ) [الفلق : ٣] قيل : المراد به : القمر ، إذا كسف ، واسودّ.
قال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لعائشة ـ رضي الله عنها ـ حين رأت كسوف القمر : «استعيذي من شرّ الغاسق إذا وقب» (١).
وقيل : اللّيل ، والغساق ، بالتخفيف ، والتشديد : ما يسيل من صديد أهل النار ، ويقال: غسق اللّيل ، وأغسق ، وظلم ، وأظلم ، ودجى ، وأدجى ، وغبش ، وأغبش ، نقله الفراء.
فصل في معنى الغسق
قال الأزهريّ : غسق الليل عندي : غيبوبة الشفق عند تراكم الظلمة ، واشتدادها ، يقال : غسقت العين ، إذا امتلأت دمعا ، وغسقت الجراحة : إذا امتلأت دما.
قال : لأنّا إذا حملنا الشّفق على هذا المعنى ، دخلت الصّلوات الأربعة فيه ، وهي الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، ولو حملنا الغسق على ظهور أوّل الظّلمة ، لم يدخل فيه الظهر والعصر ؛ فوجب أن يكون الأول أولى.
واعلم أنّه يتفرّع على هذين الوجهين بحث حسن ؛ فإن فسّرنا الغسق بظهور أوّل الظلمة ، كان الغسق عبارة عن أوّل المغرب ، وعلى هذا : يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات : وقت الزّوال ، ووقت أوّل المغرب ، ووقت الفجر ، وهذا يقتضي أن يكون الزوال : وقتا للظّهر والعصر ، فيكون هذا الوقت مشتركا بين هاتين الصلاتين ، وأن يكون أوّل وقت المغرب وقتا للمغرب والعشاء ، فيكون هذا الوقت مشتركا أيضا بين هاتين الصلاتين ، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء مطلقا ، إلا أنّه دلّ الدليل على أن الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز ؛ فوجب أن يكون الجمع جائزا مع العذر.
وإذا فسّرنا الغسق بالتراكم ، فنقول : الظلمة المتراكمة ، إنّما تحصل عند غيبوبة الشّفق الأبيض ، وكلمة «إلى» لانتهاء الغاية ، والحكم الممدود إلى غاية يكون مشروعا قبل حصول تلك الغاية ؛ فوجب إقامة الصلوات كلّها قبل غيبوبة الشّفق الأبيض ، وهذا إنّما يصحّ إذا قلنا : إنّها تجب عند غيبوبة الشّفق الأحمر.
__________________
(١) أخرجه الترمذي ٥ / ٤٢١ ، ٤٢٢ ، كتاب التفسير : باب من سورة المعوذتين (٣٣٦٦) ، وأحمد ٦ / ١٠٦ ، ٢٠٦ والحاكم ٢ / ٥٤٠ ، ٥٤١ ومدار هذا الإسناد على الحارث بن عبد الرحمن القرشي العامري ، قال الحافظ في التقريب ١ / ١٤٢ صدوق ، لكن نقل في التهذيب ٢ / ١٤٩ ، عن علي بن المديني أنه قال : الحارث بن عبد الرحمن المدني الذي روى عن ابن أبي ذئب مجهول. وهذا الحديث صحيح أو حسن بشواهده. قال الحافظ ابن حجر في الفتح ٨ / ٦١٣ : إسناد حسن قال الترمذي : هذا الحديث حسن صحيح.