والجواب (١) : أنّ الحاجة إلى ذلك التبيين عند كونها في وسط السّماء أتمّ ، فالذي ذكرتم يدلّ على أنّ الدّلوك عبارة عن الزّوال من وسط السّماء ؛ بطريق الأولى.
وقال الراغب (٢) : «دلوك الشمس : ميلها للغروب ، وهو من قولهم : دلكت الشّمس : دفعتها بالرّاح ، ومنه : دلكت الشيء في الرّاحة ، ودلكت الرّجل : ماطلته ، والدّلوك : ما دلكته من طيب ، والدّليك : طعام يتّخذ من زبد وتمر».
قوله : (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) في هذا الجارّ وجهان :
أحدهما : أنه متعلق ب «أقم» فهي لانتهاء غاية الإقامة ، وكذلك اللام في «لدلوك» متعلقة به أيضا.
والثاني : أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من «الصّلاة» أي : أقمها ممدودة إلى غسق الليل ، قاله أبو البقاء (٣) ، وفيه نظر : من حيث إنه قدّر المتعلق كونا مقيدا ، إلا أن يريد تفسير المعنى ، لا الإعراب.
والغسق : دخول أوّل الليل ، قاله ابن شميل ، وأنشد : [الرجز]
٣٤٥١ ـ إنّ هذا اللّيل قد غسقا |
|
واشتكيت الهمّ والأرقا (٤) |
وقيل : هو سواد الليل ، وظلمته ، وأصله من السّيلان : غسقت العين ، أي : سال دمعها ، فكأنّ الظّلمة تنصبّ على العالم ، وتسيل عليهم ؛ قال : [البسيط]
٣٤٥٢ ـ ظلّت تجود يداها وهي لاهية |
|
حتّى إذا هجم الإظلام والغسق (٥) |
ويقال : غسقت العين : امتلأت دمعا ، وغسق الجرح : امتلأ دما ؛ فكأنّ الظّلمة ملأت الوجود.
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : الغسق : بدوّ اللّيل (٦).
وقال قتادة : وقت صلاة المغرب (٧).
وقال مجاهد : غروب الشّمس (٨).
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٢٢.
(٢) ينظر : المفردات ١ / ١٧١.
(٣) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٥.
(٤) البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات ، ينظر : ديوانه (١٨٧) مجاز القرآن ١ / ٣٨٨ ، الطبري ١٥ / ٩٣ ، البحر ٦ / ٦٦ ، القرطبي ١٠ / ١٩٧ ، روح المعاني ١٥ / ١٣٢ ، اللسان والتاج «غسق» ، الدر المصون ٤ / ٤١٣.
(٥) البيت لزهير ، ينظر : القرطبي ١٠ / ١٩٧ ، البحر المحيط ٦ / ٦٦ ، روح المعاني ١٥ / ١٧٢ ، الدر المصون ٤ / ٤١٣.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٢٦) عن ابن عباس وعكرمة وقتادة وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٢٨).
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٢٦) وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٢٨).
(٨) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ١٢٨).