عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلّها ؛ فدلوك الشمس يتناول صلاة الظّهر والعصر وإلى غسق الليل ، ثم قال : «وقرآن الفجر» وعلى هذا التقدير : يتناول المغرب والعشاء ، وقرآن الفجر صلاة الفجر إذا حملناه على الغروب لم يدخل فيه إلا ثلاث صلوات ، وهي المغرب والعشاء والفجر ، وحمل كلام الله ـ تعالى ـ على ما يكون أكثر فائدة أولى ، وأيضا ، فالقائلون به أكثر.
القول الثاني : أنّ الدّلوك : هو الغروب ، وهو قول ابن مسعود ، وبه قال إبراهيم النخعيّ ، ومقاتل بن حيّان ، والضحاك والسديّ (١) ، وهو اختيار الفراء واحتج له بقول الشاعر : [الرجز]
٣٤٤٩ ـ هذا مقام قدمي رباح |
|
ذبّب حتّى دلكت براح (٢) |
أي : غربت براح ، وهي الشمس ، وأنشد ابن قتيبة على ذلك قول ذي الرمّة : [الطويل]
٣٤٥٠ ـ مصابيح ليست باللّواتي تقودها |
|
نجوم ولا بالآفلات الدّوالك (٣) |
أي : الغاربات.
وهذا استدلال ضعيف ؛ لأنّ الدّلوك عبارة عن الميل والتغيّر ، وهو حاصل في الغروب ، فكان الغروب نوعا من أنواع الدّلوك ، فكان وقوع لفظ الدّلوك على الغروب لا ينافي وقوعه على الزّوال ، كما أنّ وقوع لفظ الحيوان على الإنسان لا ينافي وقوعه على الفرس.
القول الثالث : أنه من الزّوال إلى الغروب ، قال الزمخشريّ : «واشتقاقه من الدّلك ؛ لأنّ الإنسان يدلك عينه عند النّظر إليها» وهذا يفهم أنه ليس بمصدر ؛ لأنه جعله مشتقّا من المصدر ؛ واستدلّوا بهذا على أنّ الدّلوك هو الغروب ، قالوا : وهذا إنما يصحّ في الوقت الذي يمكن النّظر إليها ، أما عند كونها في وسط السّماء ، ففي ذلك الوقت لا يمكن النّظر إليها ، فثبت أن الدلوك هو الغروب.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٢٣) عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥٤) عن ابن مسعود وأخرجه الحاكم (٢ / ٣٦٣) عنه وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة ووافقه الذهبي.
وزاد السيوطي نسبته في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥٤) إلى عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طرق عن ابن مسعود.
(٢) البيت للغنوي ينظر : مجاز القرآن ١ / ٣٨٧ ، شرح المفصل لابن يعيش ٤ / ٦٠ ، الجمهرة ٢ / ٢١٨ ، التهذيب واللسان «برح» ، البحر المحيط ٦ / ٦٥ ، الدر المصون ٤ / ٤١٢ ، الصحاح والغريبين والفائق والتاج [برح] ونوادر أبي زيد ٨٨.
(٣) ينظر البيت في ديوانه ٥١١ ، الطبري ٢ / ٤٨٥ ، مجاز القرآن ١ / ١٩٩ ، البحر المحيط ٦ / ٦٦ ، روح المعاني ١٥ / ١٣٢. الدر المصون ٤ / ٤١٢ اللسان والتاج [ذلك].