ومثل ذلك في الكلام قوله سبحانه وتعالى (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً وَقَرِّي عَيْناً)، وإن شئت قلت أعينا وأنفسا كما قلت ثلثمائة وثلاث مئين ومئات ولم يدخلوا الألف واللام كما لم يدخلوا في امتلأت ماء.
[باب استعمال الفعل في اللفظ لا في المعنى]
لاتّساعهم في الكلام وللايجاز والاختصار فمن ذلك أن تقول على قول السائل : كم صيد عليه ، وكم غير ظرف لما ذكرت لك في الاتساع والايجاز فتقول صيد عليه يومان وانما المعنى صيد عليه الوحش في يومين ولكنه اتسع واختصر ولذلك أيضا وضع السائل كم غير ظرف ومن ذلك أن تقول كم ولد له فيقول ستون عاما فالمعنى ولد له الأولاد ، وولد له الولد ستين عاما ولكنه اتّسع وأوجز ، ومثل ذلك أن تقول كم سير عليه وكم غير ظرف فيقول يوم الجمعة ويومان ، فكم هاهنا بمنزلة قوله ما صيد عليه ، وما ولد له من الدهر والأيام ، فليس كم ظرفا كما أن ما ليس بظرف ، ومن ذلك أن يقول كم ضرب به فتقول ضرب به ضربتان وضرب به ضرب كثير ، ومما جاء على اتساع الكلام والاختصار قوله تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) انما يريد أهل القرية فاختصر وعمل الفعل في القرية ، كما كان عاملا في الأهل لو كان هاهنا ، ومثله (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) وانما المعنى بل مكركم في الليل والنهار ، وقال تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) انما هو ولكنّ البرّ برّ من آمن بالله ، ومثله في الاتساع قوله عزوجل : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) فلم يشبّهوا بما ينعق وانما شبهوا بالمنعوق به وانما المعنى مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذي لا يسمع ولكنه جاء على سعة الكلام والايجاز لعلم المخاطب بالمعنى ، ومثل ذلك من كلامهم بنو فلان يطؤهم الطريق ، وانما يطؤهم أهل الطريق ، وقالوا صدنا قنوين وانما يريد صدنا بقنوين أو صدنا وحش قنوين وانما قنوان اسم أرض ، ومثله في السعة أنت أكرم علىّ من أن أضربك وأنت أنكد من أن تتركه انما تريد أنت أكرم علىّ من صاحب الضرب وأنت أنكد من صاحب تركه لأن قولك